كشفت دراسة واسعة النطاق أن تلوّث الهواء يؤثر على مناطق الدماغ المرتبطة بالعواطف، ناهيك عن أضراره على المخّ والصحة العقلية أيضًا.
ووجدت الدراسة التي نشرتها مجلة "نيورو توكسيكولوجي"، أن الأشخاص الذين يتنفّسون هواء ملوثًا يعانون من تغيّرات داخل مناطق الدماغ التي تتحكّم بالعواطف، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالقلق والاكتئاب من أولئك الذين يتنفّسون هواءً أنظف.
وحلّل الباحثون أكثر من 100 مقال بحثي من دراسات على الحيوانات والبشر تناولت آثار تلوّث على الصحة العقلية ومناطق الدماغ التي تنظّم العواطف، وركّزوا بحثهم على مناطق الدماغ الرئيسية الثلاث وهي: الحُصين واللوزة وقشرة فصّ الجبهة.
ووجد الباحثون أن 73% من الدراسات تحدثت عن أعراض وسلوكيات صحية عقلية أعلى لدى البشر والحيوانات التي تعرّضت لمستويات أعلى من المتوسط من تلوّث الهواء؛ وأن 95% من الدراسات التي تفحص تأثيرات الدماغ، وجدت تغيرات جسدية ووظيفية كبيرة في مناطق الدماغ التي تنظّم العواطف لدى أولئك المعرضين لمستويات متزايدة من تلوث الهواء.
وأوضح الباحثون أن معظم هذه الدراسات وجدت أن التعرّض لمستويات مرتفعة من تلوّث الهواء مرتبط بزيادة الالتهاب والتغيرات في تنظيم الناقلات العصبية، التي تعمل بمثابة نظام الرسائل الكيميائية للدماغ.
وخلال السنوات العشر الماضية، بدأ الباحثون بدراسة كيفية تأثير تلوّث الهواء على الدماغ. وأظهرت الدراسات أن ملوثات الهواء الصغيرة، مثل الجسيمات متناهية الصغر من عوادم السيارات، يمكن أن تؤثر على الدماغ إما بشكل مباشر، عن طريق الانتقال عبر الأنف إلى الدماغ، أو بشكل غير مباشر، عن طريق التسبّب في الالتهاب وتغيير الاستجابات المناعية في الجسم التي يمكن أن تعبر إلى الدماغ.
تلوث الهواء يؤدي إلى 3 ملايين وفاة مبكرة سنويا.. أزمة كبيرة يواجهها العالم منذ الثورة الصناعية#شبابيك تقرير: جلال قبطان pic.twitter.com/hqtIVupWFc
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) November 9, 2022
ولسوء الحظ، تشير الأبحاث إلى أن تلوّث الهواء سيزداد سوءًا مع اشتداد تغيّر المناخ وظهور انبعاثات غير منظّمة من الكربون.
أعراض غير مفهومة جيدًا
واعتبر الباحثون أن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من الأبحاث حول الآثار الصحية للتعرض لتلوث الهواء والتي تتجاوز نتائج صحة الجهاز التنفسي إلى مجال الطب النفسي البيولوجي. فعلى سبيل المثال، لا تزال الآليات العصبية الحيوية التي من خلالها يزيد تلوث الهواء من خطر الإصابة بأعراض الصحة العقلية؛ "غير مفهومة جيدًا".
وحدّد الباحثون بعض الثغرات الملحوظة في البحث والتي يجب معالجتها من أجل رسم صورة أكمل عن العلاقة بين تلوث الهواء وصحة الدماغ، ومنها آثار التعرّض لتلوث الهواء خلال سنّ مبكرة في الطفولة والمراهقة.
كما وجدوا أن الدراسات حول كيفية تأثير تلوّث الهواء على دماغ الإنسان محدود للغاية، واقتصر معظمها على الحيوانات. كما ركّزت معظم دراسات الدماغ الحالية على التغيرات الجسدية، مثل الاختلافات في الحجم الكلي للدماغ.
وأكدوا أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث الذي يعتمد على تقنية "التصوير الوظيفي للدماغ"، والتي يُمكن أن تمكن الباحثين من اكتشاف التغييرات الطفيفة أو الأصغر التي قد تحدث قبل التغييرات الجسدية.
ويخطط فريق البحث لاستخدام طرق تصوير الدماغ لدراسة تأثيرات تلوث الهواء على زيادة خطر القلق خلال فترة المراهقة، ولاستخدام مجموعة متنوعة من التقنيات، بما في ذلك أجهزة مراقبة الهواء الشخصية التي يمكن للأطفال ارتداؤها خلال النهار، ما يسمح للباحثين بتقييم تعرّضهم لتداعيات تلوّث الهواء عليهم بدقة أكبر.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، سجلت الوكالة الأوروبية للبيئة وفاة 238 ألف حالة مبكرة في دول الاتحاد الأوروبي عام 2020 بسبب التعرّض لجسيمات دقيقة من الهواء الملوّث.
وأوضح الباحث المتخصّص في سياسات التنمية والبيئة حسان التليلي، في حديث سابق إلى "العربي"، أن الجسيمات صغيرة ولا ترى بالعين المجرّدة، وتنتج بالأساس عن التلوث الصناعي وعوادم السيارات، وحرائق الغابات، والتدفئة عبر الخشب، وتتسبّب للإنسان بأمراض صحية كثيرة، منها الأمراض التنفّسية والسرطانية.