مضت 30 سنة على اغتيال محمد بوضياف، الرئيس الجزائري الأسبق الذي لُقب بـ"سي الطيب الوطني"، حيث كان أحد كبار رموز الثورة الجزائرية ضد الفرنسيين.
الرجل كان قد خرج من الجزائر إلى المنفى، ثم عاد إليها في 16 يناير/ كانون الثاني 1992، حاملًا مشروع القضاء على الفساد، حيث نُصب رئيسًا للمجلس الأعلى للدولة، الذي تم استحداثه بعد استقالة الشاذلي بن شديد، علّه يتمكن من إصلاح الأمور.
وفي خطابه الأول، أشار بوضياف إلى أن عودته "جاءت استجابة لنداء الواجب المقدّس، ووفاء لقيم ثورة نوفمبر ومبادئها، واستجابة لمرحلة صعبة تمر بها الجزائر".
"سي الطيب الوطني".. #خالد_نزّار يكشف حقائق وكواليس عن اغتيال #محمد_بوضياف#مذكرات #الجزائر pic.twitter.com/briQuVYzDi
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) November 19, 2021
لكن بعد مرور خمسة أشهر فقط، تم اغتيال محمد بوضياف في 29 يونيو/ حزيران بطريقة دراماتيكية على يد أحد حراسه خلال إلقائه خطابًا على الهواء مباشرة في دار الثقافة بمدينة عنّابة، فعصفت بالجزائر دوامة عنف بعد اغتياله.
ظلّت ملابسات اغتياله غامضة، واتهم البعض المؤسسة العسكرية بتنفيذها حتى أن عائلة بوضياف كانت تتهم وزير الدفاع في حينه خالد نزّار بتدبير عملية الاغتيال.
من جانبه، ألقى نزّار بالمسؤولية على الجبهة الإسلامية، وقال إن القاتل مبارك بومعرافي لم يخفِ خلال التحقيق معه قناعاته الإسلامية، وأنه تربى على يد أحد قياديي جبهة الإنقاذ.
"رمز لدى الجزائريين"
ويعتبر الصحافي محمد يعقوبي أنه لا يمكن الحديث عن اغتيال محمد بوضياف ودخوله إلى الجزائر رئيسًا بعد سنوات وعقود من المنفى، قبل الحديث عنه كرمز لدى الجزائريين، موضحًا أنه "كان من بين الستة الذي فجّروا الثورة" عام 1954.
ويشير إلى خلافات مع القيادة الجديدة في الجزائر، فضّل على أثرها بوضياف اختيار المنفى على إدخال البلاد في صراعات واقتتال وحرب.
وبينما ألغيت نتائج الدورة الأولى للانتخابات النيابية عام 1991، التي حققت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزًا ساحقًا وحصدت 188 مقعدًا من أصل 228، يقول يعقوبي إن الجماعة التي قرّرت توقيف المسار الانتخابي لم تحسب التبعات ولم تفكر في أنه قد يؤدي إلى الاقتتال والعزلة الدولية والانهيار الاقتصادي والفقر المدقع.
ويلفت إلى أن السلطة عُزلت تمامًا، وحتى النخب المثقفة والإعلامية باتت تنظر إلى النظام بعين الريبة؛ من حيث أنه ألغى مسارًا انتخابيًا متعارفًا على شفافيته ويغامر بإدخال البلاد في النفق.
ويقول: "بدأوا يفكّرون بالتالي بشخصية تاريخية ثقيلة يمكن أن تسد هذه الثغرة، وتتحمل المسؤولية في تلك المرحلة كرئيس للجزائر. وتمكنوا بطريقة ما - خلال التفاوض مع بوضياف - من إقناعه".
ويشير إلى أن "الجماعة التي أوقفت المسار الانتخابي ضخت في عقل الرئيس بوضياف معطيات خاطئة عن البلد، فرأيناه كيف دخل كرئيس وأعلن عن الكثير من المواقف التي شكلت ربما صدمة في بداية الأمر".
إلى ذلك، يلفت يعقوبي إلى أن اغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف شكل صدمة كبيرة جدًا، فلم يصدق الناس الأمر.
ويوضح أنه تمت محاكمة شخص يسمى مبارك بومعرافي وحكم عليه بالإعدام، وهو يقبع إلى الآن في السجن كمتهم واحد ووحيد في الاغتيال.
ويردف بأن روايات كثيرة تُسمع من أفراد من عائلة بوضياف ورفاقه ولجنة التحقيق في اغتياله، من بينها أن السلطة هي التي اغتالت الرئيس الجزائري الأسبق، وأن أشخاصًا داخل السلطة قرّروا اغتياله لأنه خرج عن الخطوط الحمراء التي رسمتها السلطة له.
اغتيال محمد بوضياف
بدوره، يستعيد حسان بن جدو، شاهد العيان، المشهد في دار الثقافة في 29 يونيو 1992. فيلفت إلى حفاوة الاستقبال التي لقيها بوضياف.
يومها دخل الرئيس الجزائري إلى القاعة التي غصّت بالحضور، واعتلى المنصة لإلقاء خطابه على وقع التصفيق.
وبمرور بعض الوقت، سُمع صوت غريب، فالتفت بوضياف إلى جانبه مستطلعًا، ثم اعتدل ليكمل خطابه. وعلى الأثر ظهر رجل بلباس زي الفرقة الخاصة.
وفي هذا الصدد، يشير بن جدو إلى أنه لم يخَف من الرجل الذي ظهر، حيث قال في نفسه إن مشكلة وقعت خلفنا وأنه جاء ليحمي الرئيس.
ولم يكن هذا هو الحال، حيث أطلق الرجل النار وأردى بوضياف.