الثلاثاء 29 أكتوبر / October 2024

مطاردة "الخونة" إلكترونيًا.. عقاب اجتماعي لأقارب الجيش في ميانمار

مطاردة "الخونة" إلكترونيًا.. عقاب اجتماعي لأقارب الجيش في ميانمار

شارك القصة

تجاوز عدد القتلى في البلاد جرّاء العنف 500 شخصًا
تشهد ميانمار اضطرابات منذ إطاحة الجيش بالزعيمة المدنية أونغ سان سو تشي في فبراير الماضي (غيتي)
تحوّل التعبير عن الغضب والحزن حيال ممارسات الجيش في ميانمار إلى حملة عبر الإنترنت تهدف إلى معاقبة أقارب أفراد الجيش اجتماعيًا.

في ظل الفوضى في ميانمار، ينتقم مناهضون للانقلاب من المجموعة العسكرية بسلاح الهواتف الذكية والإنترنت؛ إذ يطاردون أقارب أفراد الجيش بوصفه شكلًا من أشكال "العقاب الاجتماعي".

وتشهد البلاد اضطرابات منذ أطاح الجيش بالزعيمة المدنية أونغ سان سو تشي في فبراير/ شباط، في وقت تجاوز عدد القتلى جرّاء العنف 500 شخص بينما يحاول الجيش سحق الحراك المناهض للانقلاب.

وتحوّل التعبير عن الغضب والحزن حيال قمع الجيش إلى حملة عبر الإنترنت، حيث تم إدراج ما يقرب من 170 شخصًا من أقارب المجموعة العسكرية على قائمة "الخونة" في موقع إلكتروني.

نشر بيانات شخصية

وينشر الموقع وصفحته على فيسبوك التي كانت تحظى بـ67 ألف متابع قبل إغلاقها، تفاصيل بيانات هؤلاء الشخصية؛ مثل أماكن عملهم وجامعاتهم وروابط صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكُتب على الصفحة في فيسبوك: "نحن هنا لمعاقبة عائلات الجيش أو الأشخاص الداعمين للجيش. لا تسامحوا ولا تنسوا!".

وبينما أغلق فيسبوك الصفحة التي اعتبر أنها تنتهك معايير مجتمعية، لا تزال هناك صفحات أخرى بأعداد أقل من المتابعين.

وأفادت متحدثة باسم فيسبوك: "سنواصل مراقبة الوضع الميداني في بورما عن قرب".

وأجبر العقاب الاجتماعي بعض الضحايا على إغلاق أعمالهم التجارية عبر الإنترنت، بينما اضطرّت طالبة بورمية في اليابان إلى التخلي عن دراستها، وفق تقارير إعلامية محلية.

ويتجاوز نطاق الحملة الأشخاص الذين تربطهم علاقات بالجيش؛ إذ يتم استهداف أولئك الذين لا يشاركون في الإضرابات، بينما تعرّض الصحافيون الذين يغطون مؤتمرات المجموعة العسكرية الصحافية إلى التهديد.

"منظومة فاسدة" في ميانمار

يعتبر البورميون المقيمون في الخارج أن مشاركتهم في "العقاب الاجتماعي" للأشخاص المرتبطين بالمجموعة العسكرية تساعدهم على التخفيف من الشعور بالعجز الذي يتملّكهم بينما يراقبون ما يحدث في بلدهم من بعيد، بحسب تشو يي لات، وهي من مواليد رانغون، وتقيم حاليًا في سنغافورة.

وقالت لات لـ"فرانس برس": إن البورميين "في سنغافورة غير قادرين على فعل شيء، لذا يشعرون بضغط نفسي كبير وغضب".

وتشير تشو يي لات إلى أنها تواصلت مع ربّ العمل السنغافوري لامرأة بورمية صديقة جندي كانت تنشر رسائل مؤيدة للانقلاب عبر الإنترنت. وأفادت: "علينا تدمير هذه المنظومة الفاسدة".

وإذ لفتت إلى أنها تشعر "بالقلق فقط حيال الفقراء الذين يتعرضون للقتل والاعتقال"، اعتبرت أن "أفراد عائلات العسكريين يعيشون حياة مرفّهة في الخارج، ولا يشعرون بالضغط النفسي إطلاقًا".

وكان من بين المستهدفين نجل وزير رفيع يعمل طبيبًا، وظهر على التلفزيون لاحقًا للتبرؤ من والده.

وواجه برايان باينغ ميو أوو، المقيم في بريزبين في أستراليا هجمات عبر وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية دور والده بوينت سان وزيرًا للتجارة.

وقال لبرنامج على شبكة "بي. بي. سي" باللغة البورمية: "الأشخاص الذين يستخدمون العقاب الاجتماعي بحقي يعتقدون أنهم على حق. أريد أن أضيف بأنني أشارك في معاقبة والدي اجتماعيًا".

وتابع: "أرسلت رسالة نصية إليه مفادها: أبي، عليك الاستقالة فورًا. إن لم تفعل، فستخسرني إلى الأبد".

وعلى الرغم من كونه ضحية العقاب الاجتماعي، إلا أنه يتعاطف مع هذا الأسلوب باعتباره وسيلة لزيادة الضغط على النظام.

وأكد أنه لا يلوم الناس "للجوئهم إلى العقاب الاجتماعي؛ لأن الناس يتعرّضون للقتل بشكل وحشي في الشوارع". وأردف بالقول: "إنه السلاح الوحيد الذي يملكه المدنيون".

إلى ذلك، تنتشر على "تويتر" الهجمات على الأشخاص المرتبطين بالمجموعة العسكرية؛ حيث كتب أحد مستخدمي الموقع: "سنعاقب العائلة بأكملها اجتماعيًا. سنعاقبهم لدرجة تدفعهم لقتل أنفسهم"، مرفقًا المنشور بصور للفتنانت جنرال في الجيش وابنته.

وذكر موقع "تويتر" أنه يتحرّك ضد التغريدات المسيئة، لكن خبراء يشيرون إلى أن عدد المشرفين الملمّين باللغة البورمية في شركات التواصل الاجتماعي غير كافٍ للسيطرة على الوضع.

"معنا أو علينا"

وتروّج مجموعة من النواب عن حزب سو تشي "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية"، الذين أقيلوا وباتوا ينشطون سرًا، ضد المجموعة العسكرية لمبدأ "معنا أو علينا".

وحذّرت اللجنة الممثلة لنواب حزب سو تشي الذين تمّت الإطاحة بهم في بيان من أنه سيتم "التحرّك جديًا" ضد أي أشخاص لا ينضمون إلى الحركة الاحتجاجية.

ولا يقتصر هذا الأسلوب على ميانمار وحدها؛ إذ تم اتباع أسلوب نشر المعلومات الشخصية من قبل الطرفين في احتجاجات هونغ كونغ عام 2019.

وباتت شرطة هونغ كونغ هدفًا رئيسيًا للمحتجين في ظل المواجهات، خصوصًا بعدما توقف عنصر الأمن عن ارتداء شارات تكشف هوياتهم، بينما أطاح الموالون للحكومة بمعارضي بكين.

وتقول المتخصصة في حملات الكراهية عبر الإنترنت جينجر غورمان: إن الانتقام "الرقمي" قد يحمل عواقب خطيرة على الأرض.

وقالت لـ "فرانس برس": "يرتبط هذا النوع من المطاردة عبر الإنترنت والكراهية الإلكترونية الشديدة بحق فرد ما بأضرار هائلة تشمل التحريض على الانتحار، والقتل وتعقّب (الضحية) في الواقع ومهاجمتها".

ووردت تقارير منعزلة عن حوادث على الأرض نجمت عن حملات العقاب الاجتماعي الإلكترونية، كان بينها قيام المتظاهرين المناهضين للانقلاب بحلق رؤوس وحواجب أشخاص في ميانمار، بحسب منشورات عديدة على وسائل التواصل الاجتماعي.

قطع الإنترنت لكبح جماح احتجاجات ميانمار

على الجانب الآخر، كثف الجيش مساعيه لكبح المعارضة من خلال اللجوء إلى حجب الإنترنت، وإصدار مذكرات اعتقال لمنتقديه على الشبكة.

وتشن السلطات حملة للسيطرة على المعلومات. وحجبت الاتصال بالإنترنت عن طريق الهاتف المحمول، وأمرت شركات خدمات الإنترنت، أمس الجمعة، بوقف الاتصال اللاسلكي بالشبكة وحرمان معظم العملاء من الخدمة، وإن كانت بعض الرسائل والصور لا تزال تُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي.

وذكرت وسائل إعلام رسمية في وقت متأخر أمس الجمعة، أن السلطات أصدرت أوامر باعتقال 18 شخصيةً معروفة، بينها شخصيات مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي وصحافيان، بموجب قانون يهدف لمكافحة أي محتوى يحث أفراد القوات المسلحة على العصيان أو "إهمال واجبهم".

ورغم حظر الجيش منصات للتواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك"، واصل المجلس العسكري استخدامها لتعقب المنتقدين والترويج لرسالته.

وأدانت الولايات المتحدة قطع الإنترنت، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جالينا بورتر في إفادة صحفية: "نأمل ألّا يؤدي هذا إلى إسكات أصوات الناس".

تابع القراءة
المصادر:
وكالات
تغطية خاصة
Close