الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

جمهورية الكبتاغون في سوريا.. "العربي" يرصد منبع تجارة الموت

جمهورية الكبتاغون في سوريا.. "العربي" يرصد منبع تجارة الموت
الثلاثاء 17 مايو 2022

شارك القصة

وثائقي "جمهورية الكبتاغون" يكشف حجم انتشار صناعة عقار الكبتاغون المخدر في سوريا

يكشف تحقيق "العربي" حول "جمهورية الكبتاغون" عن حجم انتشار صناعة العقار المخدر في سوريا، حيث يرصد من خلال تصوير سري مواقع تصنيع الكبتاغون ومسارات خروجه من البلاد.

ويستعرض شبكات المصالح التي نشأت حول تلك الصناعة، لا سيّما من العناصر الأمنية التابعة للنظام السوري، ويرصد رحلة صناعة الكبتاغون بداية من طرق دخول المواد الأولية من إيران والعراق وصولاً إلى طرق تهريب العقار الرسمية إلى دول العالم المختلفة ومن أهمها دول الخليج العربي.

جمهورية الكبتاغون

وكُشف أول خيوط القضية عبر البحر المتوسط حيث هُرّبت من خلاله ملايين حبات العقار المخدر قبل وصولها إلى بلدان عدة في العالم، في ظاهرة دقت ناقوس الخطر وأعلنت بداية معركة جديدة ضد "جمهورية الكبتاغون".

ومن ميناء اللاذقية السوري حُمّلت سفن تجارية متعددة الجنسيات بالحبوب المخدرة خفية قبل ضبطها في موانئ مختلفة، فلماذا هذا الميناء بالذات؟ وكيف تحوّلت سوريا إلى أكبر دولة مصنعّة للكبتاغون؟ ومن يهرّب الحبوب التي باتت تؤرق العالم؟

في الرابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول عام 2018، ضبطت السلطات اليونانية شحنة بها أكثر من ثلاثة ملايين حبة كبتاغون محملة على متن سفينة تجارية تحمل اسم "نوكا NOKA".

انطلقت الشحنة من ميناء اللاذقية في سوريا باتجاه بنغازي في ليبيا، حيث ضمت الشحنة المضبوطة أيضًا نحو ستة أطنان من القنب الهندي المصنّع لتتخطى قيمة المضبوطات مئة مليون دولار أميركي.

"العربي" يتتبع شبكات تصنيع الكبتاغون داخل سوريا - العربي
"العربي" يتتبع شبكات تصنيع الكبتاغون داخل سوريا - العربي

ولم تكن شحنة "نوكا" الوحيدة المضبوطة في المياه الدولية، ففي يونيو/ حزيران عام 2020، ضبطت السلطات الإيطالية في ميناء ساليرنو قرب نابولي، أكبر كمية من الكبتاغون في التاريخ، إذ شملت الشحنة المضبوطة، ووزنها 14 طنًا، 84 مليون حبة كبتاغون على متن ثلاث سفن شحن جاءت من سوريا مع أوراق تصدير موجهة إلى شركة مجهولة.

وتعليقًا على ذلك، تقول عضو مشروع التحقيقات الاستقصائية الإيطالية سيسيليا أنيسي: إنّ الجهات التي تقوم بالشحن البحري من داخل سوريا هم شركات وأشخاص على دراية كاملة بالتجارة البحرية حيث نجحوا في العثور على شركة شحن سويسرية تتواطأ معهم لتسهيل عمليات عبور هذه الشحنات عبر ميناء ساليرنو.

وإذ تشير في حديث إلى "العربي"، إلى أنّه جرى ضبط عمليات التهريب في هذه المداهمة التي جرت في ميناء ساليرنو، إلا أنّها تؤكد أنّ هناك العديد من الشحنات الكثيرة التي عبرت من دون أن يتم ضبطها. وتعتبر أن تجارة المخدرات من سوريا تزدهر عبر مرورها من الموانئ الإيطالية.

تورط نظام الأسد

تمكّن فريق "العربي" عبر رصد صور الأقمار الاصطناعية لميناء اللاذقية السوري من الوصول إلى صورة للسفينة "نوكا" راسية على أحد أرصفة الميناء في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول عام 2018، أيّ قبل ضبطها في اليونان بعدة أيام، وهو ما أكّدته صحيفة "الوطن" السورية الموالية للنظام في السابع من ديسمبر عندما احتفت بتسجيل "نوكا" باعتبارها سادس سفينة تحت العلم السوري آنذاك.

وبات تصنيع الكبتاغون والتجارة به في سوريا أحد أبرز عناوين الأخبار المتعلقة في هذا البلد دوليًا. وفي تحقيق "العربي" تم تتبع أبرز نقاط التصنيع وأهم طرق التهريب البرية والبحرية للكبتاغون في سوريا.

وفي هذا السياق، يشير عضو مجلس النواب الأميركي فرينش هيل إلى أنّ نظام بشار الأسد ومحيطه العسكري والتجاري ينتجون الكبتاغون ويبيعونه، داعيًا إلى ضرورة "تنبه العالم" لهذا الأمر.

ويقول في حديث إلى "العربي": "علينا اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لدراسة الموضوع واستخلاص الحقائق وكشف المعلومات". ويضيف أنه "يتعين على أوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج التعاون لإيقاف هذه التجارة، ومنع تدفق الأموال منها".

من جانبها، تؤكد رئيسة برنامج معهد "نيو لاينز" للسياسات كارولين روز أنه لا توجد أرقام دقيقة لعدد المسؤولين المتورطين نظرًا لـ"ضخامة عدد المشتغلين في هذا الأمر، بداية من عدد الذين ينتجون الكبتاغون ومن يهربونه ومن يبيعونه وانتهاء بمن يروجونه حتى يصل إلى المستهلكين".  

أهم مصانع الكبتاغون

وحصل فريق "العربي"، عبر مصادره الميدانية، على صور وإحداثيات لأهم مصانع الكبتاغون في اللاذقية وريفها، حيث تقع أغلب هذه المعامل قرب خطوط التهريب الرئيسية لتتقاطع لاحقًا في ميناء اللاذقية.

فالمعمل الموجود خلف مدرسة جول جمّال التي درس فيها حافظ الأسد المرحلة الثانية، يبعد عن الميناء حوالي 2 كلم فقط، بينما يبعد معمل الشلفاطية عن الميناء نحو 13 كلم. أمّا معمل عين البيضا فيبعد نحو 22 كيلومترًا، ومعمل ريف جبلة 35 كيلومترًا، أيّ أنّ أبعد هذه المعامل لا يفصله عن الميناء سوى حوالي عشرين دقيقة بالسيارة العادية.  

وفي هذا الخصوص، تبيّن رئيسة برنامج معهد "نيو لاينز" في حديثها إلى "العربي" إلى أنه تم رصد "تكثيف في بعض المصانع ومنشآت التصنيع ذات الحجم الصناعي الكبير جدًا في حلب والتي كانت أيضًا مركزًا صيدلانيًا مشهورًا جدًا في السابق".

كما تشير إلى أنّه تم رصد تلك المصانع قبل الحرب وبعدها في حماة، ثم في ريف دمشق وحولها. وإذ تؤكد أنّ هذه المصانع كانت بالأساس بعضًا من أفضل منشآت الكبتاغون في سوريا، حيث كشفت عن "تتبع 15 منشأة كبيرة لإنتاج الكبتاغون في هذه المناطق".

أمّا الباحث في مركز الشرق للدراسات سعد الشارع فيرى أنّ عمليات تصنيع الكبتاغون منتشرة في معظم المحافظات السورية "مع التركيز أكثر على مناطق الساحل في اللاذقية وأجزاء من حمص".

ويكشف في حديث إلى "العربي" أنه جرى تسريب معلومات بأن المناطق في ريف دمشق التي منع النظام عودة المدنيين إليها وتحديدًا في الغوطة الشرقية "يجري تكثيف حضور الميليشيات الإيرانية فيها للاستفادة وإنشاء معامل أو ما يعرف بـ"مكابس" الكبتاغون".

من جانبها، لا تستبعد كارولين روز مشاركة وزراء من النظام السوري وتورطهم في تجارة الكبتاغون، إضافة إلى وجود تغاض عنها منذ عام 2020 على الأقل.

وتقول: إنّ "وزارة الداخلية وعددًا من الوزارات الأخرى المكلفة بالتنفيذ القضائي ومنع هذه التجارة، بالإضافة إلى وزارة الصحة على علم بأن المقر الرئيسي لهذه القدرة الكبيرة على إنتاج الكبتاغون هو في مناطق تخضع لسيطرة النظام"، مضيفة أنّ عدم اتخاذ إجراء حيال ذلك "يشير إلى حجم تواطؤ الدولة في هذه التجارة".

بات تصنيع الكبتاغون والتجارة به في سوريا أحد أبرز عناوين الأخبار المتعلقة في هذا البلد دوليًا - العربي
بات تصنيع الكبتاغون والتجارة به في سوريا أحد أبرز عناوين الأخبار المتعلقة في هذا البلد دوليًا - العربي

ميناء اللاذقية.. منفذ المخدرات

يعد ميناء اللاذقية من أكبر الموانئ السورية، ويخضع لسيطرة الفرقة الرابعة في قوات النظام التي يقودها ماهر شقيق بشار الأسد.

وفي هذا الإطار، يعتبر الكاتب الصحفي السوري عدنان عبد الرازق أنّ ميناء اللاذقية هو "من كلمات السر الخطرة التي قلما تم تسليط الضوء عليها" باعتبار أنّ معظم ما يدخل إلى سوريا يتم من خلال هذا الميناء بشكل خاص.

ويشير في حديث إلى "العربي" إلى أنّ معظم الصادرات تتم كذلك من ميناء اللاذقية، سواء أسلحة مصنّعة أو مخدرات.

من جانبها، تقول عضو مشروع التحقيقات الاستقصائية الإيطالية سيسيليا أنيسي: "ما نعرفه أنّ ميناء اللاذقية تخرج منه معظم المخدرات وهو خاضع لسيطرة عائلة الأسد التي تديره، حيث لا يمكن لمثل هذه التجارة أنّ تزدهر وتغادر الميناء من دون حصولها على الموافقة".

وإذ تؤكد أنه لا يمكن إلا "الجزم" بأن عائلة الأسد على علم بشكل مباشر بهذه التجارة وتوافق عليها، تشدد على أن مسؤولي الدولة والمسؤولين ذوي الصلة بعائلة الأسد والمسؤولين في ميناء اللاذقية "متورطون" إلى حدّ ما بهذه التجارة ويسمحون بعبورها لميناء اللاذقية.

عائلة الأسد تحت المجهر

وأصبح ميناء اللاذقية نقطة انطلاق لشحنات المخدرات إلى دول العالم، ليس بفعل فساد بعض مسؤولي النظام السوري وحسب، بل هناك دلائل على تورط أفراد في عائلة رأس النظام وهذا ما يؤكده مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) منتصف عام 2021، والذي تحدّث عن تورط عدد من أقرباء بشار الأسد في تجارة المخدرات وتهريبها إلى خارج سوريا.

وفي هذا الجانب، تلفت كارولين روز، في حديثها إلى "العربي"، إلى أن "هناك ثلاثة أفراد على الأقل من عائلة بشار الأسد متورطون بشكل مباشر في تجارة الكبتاغون وهم ماهر الأسد وسامر الأسد الذي ارتبط اسمه بإنتاج الكبتاغون، بالإضافة إلى رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد المتورط بشكل مباشر في تهريب الحشيش والكبتاغون على الأقل خلال عامي 2019 و2020".

وتؤكد أنّ "أفراد عائلة بشار الأسد هؤلاء يرتبطون ارتباطًا وثيقًا في تجارة الكبتاغون حيث يستغلون انتماءهم للعائلة الحاكمة لتفادي العقوبات وملء جيوبهم بالمال وضمان نمو ثرواتهم المالية في سوريا". وتعتبر أنّ ذلك يعد "دليلًا على وجود صلة وثيقة بين هذه العائلة وتجارة المخدرات".

كما تلفت إلى قيام أعضاء في شبكة النظام، وهم رجال أعمال معروفون في قطاعي الزراعة والصناعة، باستخدام الموانئ المملوكة للدولة والمستأجرة لصالح الدولة في طرطوس واللاذقية. كما أنهم يستخدمون مختبرات ومنشآت صيدلانية سابقة لإنتاج الكبتاغون.

وبحسب رئيسة برنامج معهد "نيو لاينز" للسياسات كارولين روز، فإنّ الفرقة الرابعة التابعة للنظام وكذلك حزب الله وميليشيات تابعة لإيران، "التي تقدم الحراسة والتسهيلات لهذه التجارة"، يقومون بحراسة هذه المرافق والمنشآت وإخفائها عن أعين التنفيذ القضائي ومؤسسات منع الاتجار بالمخدرات في المجتمع الدولي.

من جهتها، تشدّد عضو مشروع التحقيقات الاستقصائية الإيطالية سيسيليا أنيسي على أنّ ميناء اللاذقية يخضع لسيطرة عائلة الأسد، وأنه بشكل عام "لا يمكن لأي نوع من المخدرات أن يغادر الموانئ بمثل هذه الكميات دون وجود فساد لدى بعض المسؤولين أو على الأقل لدى مسؤول واحد"، حسب قولها.

أمّا الكاتب الصحفي السوري عدنان عبد الرازق فيوضح أنّ من شروط إعطاء محطة الحاويات في ميناء اللاذقية للشركة الفرنسية أن تكون السيطرة الأمنية للفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، لافتًا إلى أنّ هذه الفرقة تتحكم بالكشوفات والجمارك والشحنات.

ووفقًا لكارولين روز فإنه من المهم معرفة أنّ الكبتاغون كان موجودًا بشكل دائم في سوريا منذ أوائل القرن الـ21، مؤكدة أنها "ليست ظاهرة حديثة حيث يوجد العقار في هذه المنطقة منذ أربعة عقود".

وعلاوة على ذلك، بحسب روز، كان النظام السوري يشارك في تجارة غير مشروعة أخرى على سبيل المثال زراعة الحشيش وتهريبه بالتنسيق مع حزب الله لا سيمّا في أوائل القرن الحادي والعشرين، مشيرة إلى "امتلاك الدليل على ذلك".

وتلفت إلى أنه لفترة من الوقت وإلى حد ما كان النظام السوري متواطئًا وله علاقة بتدفقات الإيرادات غير المشروعة، لكنها توضح أن من المؤكد أنّه عند بداية حرب النظام ضد شعبه منذ عام 2011 "كان يتوفر لإنتاج الكبتاغون مستوى ثابت من خبراء الكبتاغون وبعض الجهات الفاعلة".

وتعرب عن اعتقادها بأنّ النظام استفاد من هذا الوضع حيث اقترن الأمر بـ"أدوات وقدرات صناعية ثابتة"، بالإضافة إلى توفر تجارة موجودة مسبقًا في سوريا.

معابر غير رسمية لتهريب المواد الأولية لصناعة الكبتاغون - العربي
معابر غير رسمية لتهريب المواد الأولية لصناعة الكبتاغون - العربي

ما هو الكبتاغون؟

أنتج الكبتاغون في ألمانيا الغربية باعتباره علاجًا لاضطراب نقص الانتباه ومنشطًا للجهاز العصبي المركزي. وعندما كُشفت آثاره الإدمانية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي حظر العقار، وأصبح تعاطيه أمرًا غير قانوني. ولاحقًا، طورت تركيبات منه ليتم تعاطيه باعتباره مادة منبهة من عائلة العقاقير الممنوعة.

وفي هذا السياق، يقول الصيدلاني والخبير الكيميائي أحمد رامي مُقدم: إنّ الكبتاغون هو اسم تجاري لمادة علمية تسمى "فينتانيل" وهي إحدى مشتقات الأمفيتامينات، حيث يتعاطاها الشباب وبعض السائقين باعتبارها مادة "منشطة" ولأغراض "الترفيه".

ويلفت إلى أنّ حظر الكبتاغون ومشتقات الأمفيتامينات كان في عام 1986 ضمن اتفاقية الأمم المتحدة لحظر المواد المخدرة والمنشطة.

وفي سوريا، لا يبدو التصنيع صعبًا إذ تعتمد صناعة الكبتاغون على نوعين من المواد الخام التي تشكل عصب هذه الصناعة، أولهما يدعى بين أوساط المصنّعين بالكريستال أو الشبوة، وثانيهما بعض المواد الكيميائية الداخلة في الصناعات الدوائية التي حظر تصديرها إلى سوريا بتوصية من منظمات أممية.

ويشير مُقدم في حديثه لـ"العربي" إلى أن عملية التصنيع ليست بحاجة إلى "فريق متطور وخبراء" إذ يمكن أن يشارك في العملية شخصان أو ثلاثة فقط، مبينًا أن المعدات والتجهيزات هي العامل الأساسي لهذه الصناعة.

معابر غير رسمية

وبعد القيود التي فُرضت على استيراد النظام السوري للمواد الكيميائية عام 2016، اتجه المصنعون إلى استخدام مادة الكريستال التي تصل غالبًا من إيران عبر الأراضي العراقية إلى شرقي سوريا، إذ تعبر الشاحنات والسيارات محملة بهذه المادة من عدة مداخل أهمها معبر القائم البوكمال وهو المعبر الرسمي.

أمّا في شمال القائم وجنوبها فهناك معابر غير رسمية، بعدها يبدأ الطريق من منطقة مغافر الحدودية لتتوقف غالبية الشحنات في بلدة الجلاء شمال غربي البوكمال. وانطلاقًا من هذه البلدة تتوجه شحنات المواد الأولية إلى نقاط التصنيع المتعددة سواء تلك الموجودة في اللاذقية وريفها أو تلك المنتشرة في القلمون أو حمص وريفها وتحديدًا القصير والتي تعدّ "نقطة عمياء" منذ سيطرة حزب الله عليها منتصف عام 2013.

أمّا القسم الأكبر من الكريستال الآتي من العراق فيتجه إلى محافظة درعا السورية جنوبي البلاد والتي تعدّ مركز ثقل لإنتاج الكبتاغون في مناطق سيطرة النظام السوري وحلفائه.

في درعا، تمكّن فريق "العربي" الميداني من رصد 11 مصنعًا رئيسيًا لحبوب الكبتاغون في عدد من مناطق النظام، حيث تم رصد معملين للكبتاغون في بلدة نصيب الملاصقة للحدود الأردنية وفيها المعبر الذي أعيد افتتاحه بين سوريا والأردن عام 2018، ومعملين آخرين في منطقة خراب الشحم التي تبعد أقّل من كيلومترين اثنين عن الحدود مع الأردن.

وفي كل من ضاحية درعا وخربة غزالة ونوى هناك معمل واحد بمسافة تتراوح بين 5 إلى 20 كيلومترًا عن الحدود مع الأردن، إضافة إلى أربعة معامل في منطقة اللجاة، اثنان منها في قرية إب واثنان في شقي منطقة كريم والتي لا تبعد أكثر من 50 كيلومترًا عن الحدود الأردنية.

تمكّن فريقنا الميداني من الدخول إلى أحد هذه المعامل والتصوير أثناء عملية إنتاج حبوب الكبتاغون. وبكميات سرية نجح في تصوير معمل آخر يجري فيه تصنيع الحشيش وتغليفه. عملية الإنتاج غاية في المرونة وآلات التصنيع التي تدعى محليًا بـ"المكابس" سهلة النقل حيث لا يتطلب العمل عليها معرفة معمقة بالكيمياء.

هناك نوعان رئيسيان لمكابس حبوب الكبتاغون في درعا، فالنوع الأول هو المكبس التقليدي الذي ينتج حوالي 100 ألف حبة يوميًا، أمّا النوع الثاني فهو المكبس الحديث الذي ينتج 350 ألف حبة يوميًا. والمكابس بنوعيها لا يتطلب العمل عليها سوى وجود ثلاثة أشخاص أحدهم كيميائي.

وفي هذا الجانب، يبيّن الخبير الكيميائي أحمد رامي مُقدم في حديثه لـ"العربي" أنه في حال عدم توفر المواد الأولية للتصنيع فإن المصنّع يكون بحاجة إلى مختص في التعامل مع المواد الدوائية والصيدلانية أو معالجة الأكسدة واختزال المواد الكيميائية.

ويلفت إلى أنه في حال توفر المواد الأولية لصناعة الكبتاغون فإن المسألة تعد "بسيطة جدًا" حيث يمكن لأي شخص لديه بعض المعلومات البسيطة أن يقوم بالتصنيع بمشاركة اثنين أو ثلاثة أشخاص فقط.

بدأ فعليًا إنتاج المخدرات في محافظة درعا مدينة وريفًا مطلع عام 2019 - العربي
بدأ فعليًا إنتاج المخدرات في محافظة درعا مدينة وريفًا مطلع عام 2019 - العربي

"تجارة رائجة" في سوريا

بدأ فعليًا إنتاج المخدرات في محافظة درعا مدينة وريفًا مطلع عام 2019، أيّ بعد 6 أشهر من سيطرة النظام عليها بموجب اتفاق التسوية الذي رعته روسيا، لكّن الاتفاق سمح أيضًا بدخول الميليشيات التابعة لإيران إلى المحافظة وعلى رأسها حزب الله اللبناني لتتوزع السيطرة بينها وبين الفرقة الرابعة وبعض العناصر والقياديين ضمن ما يعرف بـ"فصائل المصالحة".

فموقع درعا الإستراتيجي جنوبي سوريا الملاصق للحدود الأردنية والقريب من الجولان المحتل والحدود الفلسطينية وحتى اللبنانية حولها لتكون المنطقة الأبرز في إنتاج الكبتاغون وتوزيعه.

وحول هذه التجارة، يؤكد الباحث في مركز الشرق للدراسات سعد الشارع أنه يجري الحديث عن تجارة رائجة الآن في سوريا وأن معظم رجال الأعمال المرتبطين بالنظام لديهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتجارة المخدرات.

ويقول الشارع إنه يمكن التحدث عن "شركة قاطرجي التي ظهرت في الثورة السورية وباتت الآن من "حيتان الأموال" والمقربة بشكل كامل من النظام"، لافتًا إلى أنه جرى الحديث كثيرًا أنّ "نقل المخدرات" يتمّ أيضًا من خلال هذه الشركة عبر الشاحنات والصهاريج التي تنقل النفط من منطقة إلى أخرى.

ويرى أن السبب وراء ذلك يعود إلى "المردود المالي الكبير لهذه التجارة". كما يبيّن أن هناك "شراكة" في تلك التجارة غير المشروعة بين رجال الأعمال والنظام وميليشياته التي تؤمن "التغطية".

وبعد انتهاء مراحل الإنتاج في درعا يبقى قسم من الحبوب للاستهلاك المحلي، أمّا القسم الأكبر فيتجه نحو التهريب خارج البلاد تحديدًا إلى الحدود مع الأردن. فنقاط تهريب المواد المخدّرة عبر الحدود السورية الأردنية تتغير بين الحين والآخر وفقًا للإجراءات الأمنية من الطرف الأردني.

إلا أنّه وحتى إنتاج هذا الفيلم، رصد فريق "العربي" سبع نقاط تهريب غير رسمية تتركز من منطقة ركبان في الشرق وصولاً إلى منطقة كويا في الغرب. وهي نقطة الركبان في أقصى شرق الحدود المشتركة السورية الأردنية، ونقطة خربة عواد وتتبع إداريًا لمحافظة السويداء، ونقطة نصيب وهي نقطة تهريب مجاورة للمعبر الرسمي، إضافة إلى نقاط خراب الشحم وتل شهاب انتهاء بنقطة كويا بأقصى غربي الحدود المشتركة بين سوريا والأردن.

وبين أنقاض بلد مزقه الصراع تنشط منذ سنوات تجارة الكبتاغون وتصنيعه بعد أن باتت سوريا مركزًا عالميًا لتصديره بغطاء حكومي لا يتوفر في أيّ مكان حول العالم.

في النهاية، فإنّ ملايين حبات الكبتاغون ضبطت في موانئ ومطارات ومناطق حدودية حول العالم في إيطاليا واليونان ومصر وتركيا ولبنان وماليزيا وألمانيا ولكن الكثير من تلك المواقع لم تكن سوى محطات على طريق الكبتاغون من منشئه في سوريا إلى سوقه الرئيسي في دول الخليج العربية.


المصادر:
العربي
Close