يهدد الاحتباس الحراري مستقبل الأرض وسكانها. وهو ينتج عن النشاط البشري وحرق الوقود الأحفوري في المقام الأول الذي يتسبب بضخ ثاني أكسيد الكربون والميثان وغازات الدفيئة الأخرى.
لكنّ آثار الاحتباس الحراري قد تفوق ما يتوقعه الكثيرون، على المستويين البشري والبيئة، ويشعر بها السكان في جميع أنحاء الكوكب، من دون استثناء.
فما هي أبرز هذه التأثيرات؟ وكيف يمكن أن تغيّر وجه الأرض؟
ارتفاع درجات الحرارة
بحسب موقع "لايف سينس"، تعد زيادة درجات الحرارة حول العالم من أكثر العواقب الفورية والواضحة للاحترار العالمي. فقد ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمية بنحو 0.8 درجة مئوية على مدار الأعوام المئة الماضية، وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
ومنذ بدء حفظ السجلات في عام 1895، كان عام 2016 هو الأكثر سخونة على مستوى العالم، وفقًا لبيانات الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
وكانت درجة حرارة سطح الأرض في ذلك العام 0.99 درجة مئوية، أكثر دفئًا من المتوسط في القرن العشرين بأكمله.
وبحسب البيانات، فإن السنوات الست الأكثر سخونة على الإطلاق في جميع أنحاء العالم كانت 2020 و2019 و2015 و2017 و2021.
وكان شهر يوليو/ تموز 2022 واحدًا من أكثر ثلاثة أشهر حرًا بالمُطلَق. وكان الجو أكثر برودة بشكل هامشي فقط من يوليو/ تموز 2019 وأدفأ قليلًا من يوليو/ تموز 2016.
وفي حديث سابق إلى "العربي"، أوضح الأكاديمي والباحث في مجال الأمن الغذائي والتنمية المستدامة شاهر عبد اللطيف، أن ارتفاع درجات الحرارة سيتسمر خلال الأعوام المقبلة، وسيكون أكثر من توقعات الباحثين، التي تفيد بأن درجات الحرارة سترتفع إلى ما بين درجة مئوية و1,2 درجة.
وأكّد أن ما حصل في العالم هو ارتفاع الحرارة درجة إلى درجتين مئويتين، معتبرًا أنّ ذلك "مؤشر خطير جدًا".
طقس أكثر حدّة
تتغير أنماط الطقس مع ارتفاع درجات الحرارة في العالم، فالطقس المتطرف هو نتيجة مباشرة للاحتباس الحراري. ويتمثل بفصول شتاء أكثر برودة من المعتاد في بعض المناطق، حيث تتسبب التغيرات في المناخ في هجرة التيار النفاث القطبي، وهو الحد الفاصل بين هواء القطب الشمالي البارد والهواء الاستوائي الدافئ جنوبًا، حاملة معها هواء القطب الشمالي البارد.
ويرجح مختبر ديناميكيات السوائل الجيوفيزيائية التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي أن تصبح الأعاصير أكثر حدة، في المتوسط في عالم يزداد احترارًا.
وتشير معظم نماذج الكمبيوتر إلى أن تردد الأعاصير سيبقى كما هو تقريبًا، ولكن تلك العواصف التي تتشكل سيكون لها القدرة على إسقاط المزيد من الأمطار نظرًا لحقيقة أن الهواء الأكثر دفئًا يحتفظ بمزيد من الرطوبة.
كما ستضرب أعاصير المستقبل الشواطئ المعرضة بالفعل للفيضانات بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن تغير المناخ. ويعني ذلك أن أي عاصفة من المحتمل أن تسبب ضررًا أكبر مما قد تحدثه في عالم لا يحتوي على ظاهرة الاحتباس الحراري.
والبرق هو سمة مناخية أخرى تتأثر بالاحتباس الحراري. فوفقًا لدراسة أجريت عام 2014 من المتوقع حدوث زيادة بنسبة 50% في عدد ضربات الصواعق داخل الولايات المتحدة بحلول عام 2100 إذا استمرت درجات الحرارة العالمية في الارتفاع. وقد وجد الباحثون في الدراسة زيادة بنسبة 12% في نشاط البرق مقابل كل درجة مئوية من الاحترار في الغلاف الجوي.
أكثر من ذلك، يتوقع العلماء أن تستمرّ الأحداث المناخية المتطرفة، مثل موجات الحرارة والجفاف والعواصف الثلجية والعواصف المطيرة، في الحدوث في كثير من الأحيان وبكثافة أكبر بسبب الاحتباس الحراري، وفقًا لـ"كلايمت سنترال".
الذوبان الجليدي
يعد الذوبان الجليدي أيضًا من المظاهر الأساسية لتغير المناخ. وشهدت أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا اتجاهًا نحو تقليل الغطاء الثلجي بين عامي 1960 و2015، وفقًا لبحث عام 2016 نُشر في مجلة "كارينت كلايمت تشاينغ ريبورتس".
ويمكن أن يتسبب ذوبان التربة الصقيعية في حدوث انهيارات أرضية مفاجئة. ويمكنه أيضًا إطلاق الميكروبات المدفونة منذ فترة طويلة، كما حدث في عام 2016 عندما تمت إذابة مخبأ من جثث الرنة المدفونة وتسبب في تفشي الجمرة الخبيثة.
ويعتبر تراجع الجليد البحري في القطب الشمالي من أكثر الآثار الدراماتيكية للاحتباس الحراري. فقد وصل الجليد البحري إلى مستويات منخفضة قياسية في كل من خريف وشتاء عامي 2015 و 2016، ما يعني أنه في الوقت الذي من المفترض أن يكون الجليد فيه في ذروته، كان يتأخر.
ويعني الذوبان وجود جليد بحري أقل سمكًا يستمر لعدة سنوات، أي انعكاس قدر أقل من الحرارة مرة أخرى إلى الغلاف الجوي عن طريق السطح اللامع للجليد ويمتص المحيط الأكثر قتامة نسبيًا، مما يخلق حلقة تغذية مرتدة تتسبب في مزيد من الذوبان.
كما يعتبر التراجع الجليدي، أيضًا، من التأثيرات الواضحة للاحترار العالمي.
ارتفاع مستويات البحار وتحمض المحيطات
يؤدى ذوبان الجليد لرفع مستوى سطح البحر. فوفقًا لتقرير صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عام 2021، تضاعفت وتيرة ارتفاع مستوى سطح البحر من 2.1 ملم سنويًا بين عامي 1993 و2002 إلى 4.4 ملم سنويًا بين عامي 2013 و2021 .
من المتوقع أن يؤدي ذوبان الجليد القطبي في القطب الشمالي والمنطقة القطبية الجنوبية، إلى جانب ذوبان الصفائح الجليدية والأنهار الجليدية في جميع أنحاء غرينلاند وأميركا الشمالية وأميركا الجنوبية وأوروبا وآسيا، إلى رفع مستويات سطح البحر بشكل كبير. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فستغمر المياه العديد من المناطق الساحلية، حيث يعيش ما يقرب من نصف سكان الأرض.
ويتوقع الباحثون أنه بحلول عام 2100، سيكون متوسط مستوى سطح البحر 0.7 مترًا أعلى في مدينة نيويورك. ووفقًا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فإذا ظلت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من دون رادع، يمكن أن ترتفع مستويات البحار العالمية بمقدار 0.9 مترًا بحلول عام 2100.
إلا أنّ مستوى سطح البحر ليس الشيء الوحيد الذي يتغير بالنسبة للمحيطات بسبب الاحتباس الحراري. فمع زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون، تمتص المحيطات بعضًا من هذا الغاز، مما يزيد من حموضة مياه البحر.
ومنذ أن بدأت الثورة الصناعية في أوائل القرن الثامن عشر، زادت حموضة المحيطات بنحو 25%، وفقًا لوكالة حماية البيئة.
وإذا استمرت اتجاهات تحمض المحيطات الحالية، فمن المتوقع أن تصبح الشعاب المرجانية نادرة بشكل متزايد في المناطق التي تنتشر فيها الآن، بما في ذلك معظم مياه الولايات المتحدة، وفقًا لتقارير وكالة حماية البيئة.
تأثير يطال النباتات والحيوانات
ومن المتوقع أن تكون تأثيرات الاحتباس الحراري على النظم البيئية للأرض كبيرة وواسعة الانتشار، إذ يتحرك العديد من أنواع النباتات والحيوانات بالفعل في اتجاه الشمال أو إلى ارتفاعات أعلى نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، وفقًا لتقرير صادر عن الأكاديمية الوطنية للعلوم.
كما تصل الطيور والحشرات المهاجرة الآن إلى مناطق التغذية والأعشاش الصيفية قبل عدة أيام أو أسابيع مما كانت عليه في القرن العشرين، وفقًا لوكالة حماية البيئة.
وسيؤدي ارتفاع درجات الحرارة أيضًا إلى توسيع نطاق العديد من مسببات الأمراض التي كانت محصورة في السابق في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، مما يؤدي إلى قتل الأنواع النباتية والحيوانية التي كانت محمية في السابق من الأمراض.
كما تواجه الحيوانات التي تعيش في المناطق القطبية تهديدًا وجوديًا. ففي القطب الشمالي، يهدد الانخفاض في الجليد البحري والتغيرات في ذوبان الجليد بشكل خاص الأنواع التي تعتمد على الجليد، مثل الدببة القطبية وحيوانات الفظ.
وتواجه الحيوانات في القطب الجنوبي أيضًا تحديات خطيرة، ففي أكتوبر/ كانون الأول 2022 أعلنت دائرة الأسماك والحياة البرية الأميركية أن طيور البطريق الإمبراطور مهددة بالانقراض بسبب خطر تغير المناخ.
وأشارت دراسة نشرت عام 2020 في مجلة "بروسيدنغز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف سينسس" إلى أن نوعًا واحدًا من كل 3 أنواع من النباتات والحيوانات معرض لخطر الانقراض بحلول عام 2070 بسبب تغير المناخ.
تأثيرات اجتماعية للاحتباس الحراري
وبالإضافة إلى تأثيرات تغير المناخ على العالم الطبيعي، فإن التغييرات المتوقعة على المجتمع البشري قد تكون أكثر تدميرًا، حيث من المرجح أن تتعرض النظم الزراعية لضربة مدمرة.
فعلى الرغم من أن مواسم الزراعة ستتوسع في بعض المناطق، إلا أن الآثار المجمعة للجفاف والطقس القاسي والذوبان المتراكم للثلوج وزيادة عدد الآفات وتنوعها وانخفاض منسوب المياه الجوفية وفقدان الأراضي الصالحة للزراعة، يمكن أن تتسبب في فشل شديد في المحاصيل ونقص في الثروة الحيوانية في جميع أنحاء العالم.
وتلاحظ جامعة ولاية كارولينا الشمالية أيضًا أن ثاني أكسيد الكربون يؤثر على نمو النبات، إذ يمكن أن يصبح أقل تغذية.
وقد يؤدي فقدان الأمن الغذائي إلى إحداث فوضى في أسواق الغذاء الدولية ويمكن أن يؤدي إلى المجاعات وعدم الاستقرار السياسي والاضطرابات المدنية في جميع أنحاء العالم، وفقًا لعدد من التحليلات من مصادر متنوعة مثل وزارة الدفاع الأميركية.
كما يتوقع أيضًا أن يكون تأثير الاحتباس الحراري على صحة الإنسان خطيرًا. فقد أبلغت الجمعية الطبية الأميركية عن زيادة في الأمراض التي ينقلها البعوض مثل الملاريا وحمى الضنك، بالإضافة إلى ارتفاع في حالات الأمراض المزمنة مثل الربو.