تتكشف يومًا بعد يوم ضخامة المأساة الناجمة عن الفيضانات التي اجتاحت شرقي ليبيا، وخاصة مدينة درنة.
وذكرت الأمم المتحدة في أحدث تصريحات لها، أنّ حجم الكارثة ما زال مجهولًا، لا سيما لناحية أعداد القتلى وحجم الاحتياجات.
وتتمثل أبرز ملامح المأساة بوجود آلاف المفقودين وانتشار أجساد المتوفين، ونقص المساعدات وعجز عمليات الإنقاذ والإغاثة عن الوصول إلى أحياء بأكملها غمرتها الفيضانات.
في غضون ذلك، تواصل فرق الإنقاذ المحلية والدولية في درنة وبقية المناطق المنكوبة عمليات البحث والإنقاذ، مع تأكيد الصليب الأحمر الدولي وجود أمل بالعثور على ناجين.
كما حذّرت هيئات عدة في درنة من تزايد خطر تفشّي الأمراض والأوبئة بسبب انتشار جثامين المتوفين، وخوفًا مما وصفته الأمم المتحدة بالمشاكل النفسية طويلة الأمد لذوي الضحايا، بالإضافة إلى المشاكل الاجتماعية والقانونية.
ودعت المنظمة الدولية إلى التوقّف عن دفن ضحايا الفيضانات في مقابر جماعية.
ويجري ذلك وسط تضارب في مسار العمل والمعلومات بين حكومتي البلاد. وترافق ذلك مع شكاوى فرق الإنقاذ من صعوبة الوصول إلى الأحياء المنكوبة بسبب الفيضانات، في حال كانت تلك الأحياء موجودة في ظل الحديث عن اختفاء بعضها بعد أن جرفتها السيول نحو البحر.
"أرقام القتلى الفعلية أكبر من المُعلن"
وأوضح أسامة علي المتحدث باسم هيئة الطوارئ والإسعاف الليبية، أنّ الأرقام التي يتمّ تداولها عن حجم المأساة هي مجرد أرقام تقديرية، إذ أنّه قبل وصول فرق الإنقاذ إلى مدينة درنة، قام السكان بدفن أكثر من ألف ضحية.
وقال علي في حديث إلى "العربي" من طرابلس: إنّ تضارب الأرقام يأتي بسبب كثرة فرق الإنقاذ وعشوائية عملية الإنقاذ وتعداد الوفيات، ناهيك عن وجود ضحايا آخرين في مناطق مجاورة لدرنة، ووجود مفقودين، كما أنّ البحر لا يزال يلفظ أجساد القتلى.
وأضاف أنّ المأساة طالت أيضًا عددًا من الأجانب الذين يعيشون في درنة، مؤكدًا أنّ هذا التضارب في الأرقام يزيد من أعداد الضحايا.
وأشار إلى أنّه بعد وصول فرق الإنقاذ الدولية وتوزيعها داخل مدينة درنة، أصبحت عملية الإنقاذ نظامية أكثر، كما أنّ إغلاق المنطقة أمام الجميع باستثناء عمّال الإنقاذ أدى إلى عمليات انتشال واسعة من ميناء درنة وبعض المناطق التي كان من الصعب الوصول إليها من قبل.
جثث ضحايا الكوارث لا تؤدي إلى انتشار الأوبئة
بدوره، أكد الدكتور ريتشارد برينان، مدير الطوارئ الصحية الإقليمية في منظمة الصحة العالمية، أنّ منظمة الصحة أطلقت تقريرًا اليوم الجمعة بالتعاون مع الصليب الأحمر والهلال الأحمر يُفيد بأن جثث ضحايا الكوارث الطبيعية لا تؤدي إلى انتشار الأوبئة، باستثناء بعض الحالات على غرار وفاة الأشخاص جراء الكوليرا أو الإيبولا.
وقال برينان في حديث إلى "العربي" من القاهرة: إنّ الأمراض تنتشر عبر المياه والصرف الصحي، مضيفًا أنّ دفن الضحايا يجب أن يتمّ بطريقة محترمة ومناسبة للثقافة المحلية.
وأوضح أنّ المقابر الجماعية تصعّب تحديد هوية المتوفين، وتؤثر على الجانب النفسي لأهاليهم.
"أهالي درنة لم يتلقّوا تحذيرات بشأن العاصفة"
الأكاديمي والباحث السياسي الليبي فرج دردور أشار إلى أنّ أهالي درنة لم يتلقوا أي تحذيرات بشأن العاصفة، أو حتى امتلاء السد بالمياه وإمكانية تعرّضه للانهيار.
وقال دردور في حديث إلى "العربي" من اسطنبول: إنّ أهالي درنة كانوا يتخوّفون من تسونامي من البحر لا من مياه بعلو ثمانية طوابق من اليابسة خلف منازلهم وهم نيام.
وأضاف أنّ السلطات الليبية تتحمّل المسؤولية الكاملة عمّا حصل، لعدم اتخاذها الإجراءات الضرورية اللازمة خاصة مع التحذيرات الدولية من خطورة الإعصار وشدّته وغزارة الهطولات في مقابل القدرة الاستيعابية لسدود درنة.
وأشار إلى وجود حالة من الارتباك لدى السلطات الليبية المعنية إزاء كيفية التصرّف، حيث أصدرت بعض القوى الأمنية تعليمات ببقاء السكان في منازلهم بينما أصدرت أخرى تعليمات بخروجهم من المنازل.