مرة جديدة، تعتمد الدعاية الإسرائيلية على الأكاذيب عبر الادعاء بوجود أنفاق ومراكز قيادة تحت مستشفى الرنتيسي في غزة من أجل الترويج لانتصارات ومكتسبات عسكرية على الأرض.
فيوم 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، نشر حساب جيش الاحتلال الإسرائيلي مقطعًا مصوّرًا يُظهر المتحدّث العسكري دانيال هاغاري وهو يدّعي اكتشاف قوات الاحتلال ممرًّا سرّيًا بالقرب من مستشفى الرنتيسي وقال إنه يؤدّي إلى أنفاقٍ يتحصّن فيها مقاتلو المقاومة.
التدقيق بالموقع الجغرافي
لكن فريق التحقق من خلال المصادر المفتوحة في "العربي"، قرر التدقيق في صحة المزاعم الإسرائيلية وتحديدًا عبر التحقق من اللقطات المنشورة.
فبدأ الفريق بتحديد الموقع الجغرافي للفيديو من خلال مقارنة المعالم الظاهرة فيه مع الخريطة التي نشرها الاحتلال للمكان، ليتبين أنّ المبنى الظاهر خلف المتحدّث باسم جيش الاحتلال يقع عند إحداثيات تختلف عن موقع المستشفى.
فالمبنى خلف هاغاري هو المعهد الوطني للتدريب في قطاع غزة، والمجاور لمدرسة زهرة المدائن الثانوية التي يظهر موقعها بشكل خاطئ على غوغل حيث تحدّد خرائط غوغل موقع المدرسة على أنه موقع مستشفى الرنتيسي.
حقيقة اكتشاف نفق للمقاومة
لكنّ أهمّ ما في الرواية الزائفة فكانت قصة اكتشاف نفقٍ للمقاومة، إذ يظهر المتحدّث باسم جيش الاحتلال في المقطع المصوّر مدّعيًا وجود النفق بالقرب من مبنى المعهد الوطني الذي يقول إنه منزل مسؤولٍ في "حماس".
ويدّعي هاغاري أنّ النفق مزوَّدٌ بالكهرباء عبر ألواح الطاقة الشمسية أعلى المبنى.
إلا أن فريق التحقيق وجد اختلافًا واضحًا بين المشهد الذي ادّعى خلاله المتحدث باسم جيش الاحتلال وجود فتحة النفق بجوار المنزل، وبين مشهد لوحة الكهرباء أعلى النفق، التي ادّعى أيضًا أنّها تزوّد النفق نفسه بالطاقة، وصولاً إلى مركزٍ لقيادة المقاومة أسفل المستشفى.
فبعد التدقيق بالمشاهد، رصد "العربي" اختلافًا واضحًا بين الموقعين حيث يظهر بوضوح فرق الضوء أثناء التصوير، إلى جانب وجود باب معدني يشبه إلى حدّ كبير أبواب أسطح المنازل.
هذا بالإضافة إلى تصميم الفتحة بشكلٍ مغلقٍ من الأعلى، وهي جميعها شواهد تدلّل على تواجد المتحدّث باسم الجيش أعلى المنزل، وليس على الأرض كما ادّعى.
فتحة مصعد وليس نفق
كما قام الفريق بالتدقيق في تصميم اللوحة والفتحة، التي تبيّن أنها تتطابق تمامًا مع وحدات تحكّم الكهرباء الموصلة بالمصاعد.
أما الجهاز الظاهر في الحجرة المعدنية فهو في الحقيقة محوّل طاقة ثلاثيّ الطور، الذي يُستخدَم لمراقبة الأحمال مثل المحرّكات أو الآلات، كونها توفّر ثلاثة مخارج تتناسب مع التيار في كل مرحلة، وهو ما يتناسب مع القول بأنّ الفتحة تعود لمصعد وليس نفق.
كما يدعم ذلك ظهور سدّتين حديديتين في الفيديو المزعوم للأنفاق، وهما تُعَدّان من بين العناصر الأساسية في المصاعد، بالإضافة إلى الكابلات الظاهرة في المقطع.
فكان من السهل مقارنة الكابلات الظاهرة في الفيديو بتلك المستخدمة في المصاعد، والتي تنقل معلومات الطاقة والإشارة بين عربة المصعد وجهاز التحكّم.
كذلك، طابق فريق التحقيق الشواهد التي عثر عليها مع نماذج عمل المصاعد، ليقطع الشك باليقين أنّ النفق الذي ادّعى جيش الاحتلال اكتشافه ما هو إلا فتحة مصعد لأحد المباني.
هذا عدا عن أنه من خلال المقاطع المصوّرة التي تمّ نشرها، لم يستطع الجيش الإسرائيلي إثبات وجود نفق للمقاومة، بل اكتفى بمزاعم مدخل النفق دون الكشف عن مخرجٍ له داخل المستشفى ودون حتى السير بداخله.
ويقود التقصّي الأخير لرواية الاحتلال مرّةً أخرى إلى الفبركات الإسرائيلية الواهية، التي تبرّر عنفًا منهجيًا ضدّ المدنيّين وجرائم حرب ضد الإنسانيّة.