واصلت إسرائيل شن غارات مكثفة على مناطق مختلفة في لبنان لليوم الثاني على التوالي، وكشفت عن استخدام الطائرة الأميركية "إف 35" لاغتيال قائد الوحدة الصاروخية في حزب الله إبراهيم قبيسي بالضاحية الجنوبية.
ويهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو باستهداف كل منزل في لبنان يحتوي على صواريخ، مع إقراره أن أيامًا معقدة قادمة بانتظار تل أبيب، في الوقت الذي يرتفع عدد الشهداء في لبنان لأكثر من 500، وفقًا لأرقام وزارة الصحة.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية، بأن حزب الله أطلق أكثر من 300 صاروخ منذ صباح الثلاثاء، فيما دوت صفارات الإنذار في أماكن مختلفة من الجبهة الشمالية، كما اعترضت القبة الحديدية صواريخ في سماء حيفا والجليل وصفد، ليؤكد الإطفاء الإسرائيلي أنه أطفأ أكثر من 7 حرائق في غابات قرب صفد.
التصعيد العسكري بين إسرائيل وحزب الله
إذًا هي إشارات عسكرية لتوسع القتال أفقيًا، يرافقها استعراض بين الدفاع والهجوم مع تقيد حزب الله باستهداف المراكز والقواعد العسكرية وفق الإعلانات الرسمية ضمن معركة "الحساب المفتوح".
وأمام هذا المشهد المتصاعد في التوتر، تبدأ الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعاتها السنوية، حيث طالب أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بوقف العدوان على غزة والحرب على لبنان، مؤكدًا عدم وجود شريك إسرائيلي للسلام في عهد الحكومة الحالية.
أما الرئيس الأميركي جو بايدن، فقال إن الحل الدبلوماسي هو الطريق الوحيد لإنهاء ما وصفه بالتوتر بين لبنان وإسرائيل.
من جهته، قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إن تل أبيب قتلت في هذه الحرب أطفالًا وصحفيين وعمال إغاثة وطواقم طبية أكثر من أي حرب في التاريخ الحديث.
لماذا لم يستخدم حزب الله كل قدراته العسكرية؟
وفي هذا الإطار، أوضح الخبير عسكري والإستراتيجي العميد منير شحادة، أن إسرائيل عندما شرعت في توسيع الحرب في الجبهة الشمالية زعمت بأن المقاومة في لبنان تتخذ من المدنيين دروعًا بشرية، وأنها تجعل من الأبنية مخازن للذخيرة لتبرر وحشيتها واستهداف البنى التحتية والأماكن السكنية.
وفي حديث للتلفزيون العربي من بيروت، أضاف شحادة أن إسرائيل شرعت أيضًا في القصف العشوائي الكبير للوديان والتلال والأحراش، ظنًا منها أنها تستهدف مخازن ذخيرة المقاومة، مشيرًا إلى أن كل ما حصل حتى الآن أن تل أبيب ارتكبت مجزرة بحق المدنيين، ودمرت عددًا كبيرًا من المنازل.
وبشأن ترسانة حزب الله من الذخيرة والأسلحة والصواريخ، أكد شحادة أن تل أبيب لن تستطع الوصول إلى شيء، لأن الحزب لديه أنفاق على غرار أنفاق "عماد 4"، التي لا تستطيع أي قنابل أن تصل إليها.
ورأى أن حزب الله ليس بحاجة إلى أن يضع صواريخه في المنازل أو المحال التجارية، كما تدعي إسرائيل، لأن الصواريخ المتوسطة فما فوق لا يمكن إطلاقها من بين الأماكن السكنية، بل تطلق من أماكن مفتوحة.
وشرح شحادة أن حزب الله لم يستخدم ما يمتلكه حتى الآن لسببين؛ الأول بسبب المدنيين الذين كانوا بمثابة ورقة ضغط على المقاومة، فحزب الله كان يتجنب رؤية مدنيين ينزحون من قراهم، وهو الأمر الذي ربما أصبح متحررا منه بعد نزوح اللبنانيين من قرى الجنوب.
أما السبب الثاني، حسب شحادة، فهو "تكتيك القتال"، مضيفًا أن إسرائيل استخدمت كل ما لديها من أسلحة، فيما حزب الله لم يستخدم أكثر من 20% من قدراته القتالية.
ما أهداف التصعيد الإسرائيلي؟
وأشار شحادة إلى أن الهدف الإستراتيجي للتصعيد الإسرائيلي هو إعادة السكان إلى المستوطنات الشمالية، ودفع حزب الله إلى شمال الليطاني، وفصل جبهة جنوب لبنان عن غزة.
وتابع أن إبعاد المقاومة إلى شمال الليطاني لن يحصل، لأن عناصر المقاومة هم أبناء الجنوب وهم أبناء القرى في جنوب الليطاني، كما أن إسرائيل لن تستطيع أن تبعد المقاومة.
وبشأن فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، أكد شحادة أن هذا الهدف لن يحصل مهما كان الثمن.
ورأى أنه من الصعب إعادة السكان إلى المستوطنات الشمالية، لأن صواريخ حزب الله بدأت تصل إلى نحو 120 كيلومترًا شرقي تل أبيب، كما وصلت الصواريخ المتوسطة إلى 60 كيلومترًا، لافتًا إلى أن كل المستوطنات ضمن مسافة عمق 120 كيلومترًا، وبعرض 80 كيلومترًا، أصبحت هدفًا لحزب الله.
وأردف شحادة أن حزب الله بدأ منذ الإثنين باستهداف مستوطنات جديدة ليدفع الإسرائيليين إلى النزوح، مشيرًا إلى أن النازحين الإسرائيليين الذين تسعى تل أبيب لإعادتهم ويقدر عددهم بـ130 ألفًا، سوف يصبحون مليون نازح.
كيف ستتطور الأمور؟
من جهته، رأى أستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جونز هوبكنز دانيال سيروير، أن واشنطن خسرت قدرتها على التأثير على الوضع في المنطقة، مشيرًا إلى أن الرئيس جو بايدن دعم الإسرائيليين قلبًا وقالبًا، و"لا أتوقع منه أن يغير من هذا الموقف"، يضيف.
وفي حديث للتلفزيون العربي من واشنطن، اعتبر سيروير أن النفوذ الأميركي لم يوظف لكبح جماح الإسرائيليين.
وفيما رأى أن ما يحدث الآن في لبنان هو تصعيد كلاسيكي، رجح سيروير أن يرد حزب الله بتصعيد آخر وفقًا لما قام به الإسرائيليون اليوم، محذرًا من توسع حلقة الحرب.
ورأى سيروير أن إيران ينتابها قلق لأنها فقدت قدرات اعتبرتها كجبهة دفاع متقدمة ضد إسرائيل، مشيرًا إلى أن حماس لا تشكل تهديدًا لتل أبيب، فيما فقد حزب الله قدرات ملحوظة.
وقال سيروير: إن "طهران تشير إلى أنها تريد وقف التصعيد، لأنها ترى أن إسرائيل تكسب"، معبرًا عن أمله بأن تهدأ الأمور، ومرجحًا أن هذا الأمر سيتم بعد جولة أخرى أو جولتين من التصعيد.
ورأى أن التصعيد لن يصب في مصلحة حزب الله، ولا إسرائيل، ولا حتى إيران، لافتًا إلى إمكانية أن يقرر بنيامين نتنياهو توسيع رقعة الحرب لكي يستدرج طهران نفسها.