السبت 16 نوفمبر / November 2024

التغير المناخي في ليبيا.. كيف تحولت كاباو من جنة خضراء إلى أرض جافة؟

التغير المناخي في ليبيا.. كيف تحولت كاباو من جنة خضراء إلى أرض جافة؟

شارك القصة

أثر الجفاف بشكل كبير على شتى أنواع الحياة في كاباو- غيتي
أثر الجفاف بشكل كبير على شتى أنواع الحياة في كاباو- غيتي
تعاني ليبيا من تداعيات التغير المناخي، كما باتت تُعد واحدة من أكثر البلدان جفافًا حسب الأمم المتحدة، وسط شح في تساقط الأمطار بلغ ضعفي نسبة السنوات الماضية.

ألقت تداعيات التغيّر المناخي بظلالها على منطقة شهاب في كاباو الواقعة على مسافة 200 كيلومتر جنوب غربي العاصمة الليبية طرابلس.

فقد كان الخَضار منتشرًا في المنطقة حتى سنين قريبة مع بساتين زيتون ولوز وغيرها من الأشجار المثمرة. إلا أن الوضع تغير تمامًا اليوم، إذ يبست الأشجار جزئيًا أو مات كليًا، فيما تزداد شدة الحر كثيرًا، قبل حلول موسم الصيف مع ما يرافقه من درجات الحرارة القصوى.

"أكثر الدول جفافًا"

ويواظب إمحمد معقاف على المجيء إلى مزرعته في ضواحي كاباو الواقعة أقصى الجبل الغربي في ليبيا، حيث يضرب الجفاف بشدة وتدفع تداعيات التغير المناخي السكان إلى النزوح مع ندرة المياه والأمطار.

ويقول المزارع البالغ 65 عامًا في حديثه لوكالة "فرانس برس"، مرتديًا الزي الليبي التقليدي ومعتمرًا قبعة: "كانت شهاب مروجًا خضراء حتى مطلع الألفية الجديدة، والجميع يحب القدوم لها، أما اليوم صارت لا تطاق من شدة الجفاف".

وتفيد الأمم المتحدة بأن ليبيا هي إحدى أكثر دول العالم جفافًا، حيث الطلب على المياه أكبر بكثير من إمداداتها. وتثير الزيادات المتوقعة في درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر، مخاوف من استنفاد موارد المياه وتقلل الإنتاجية الزراعية.

مع عدم وجود مياه جوفية وهطول أمطار تعرضت آلاف من أشجار الزيتون للجفا
مع عدم وجود مياه جوفية وهطول أمطار تعرضت آلاف من أشجار الزيتون للجفاف- غيتي

"أكبر التهديدات"

ويصف برنامج الأمم المتحدة الانمائي ليبيا، بأنها من "أكثر الدول التي تعاني من ندرة المياه في العالم"، وهذه  الندرة من "أكبر التهديدات الناشئة" التي تواجهها.

ورأى البرنامج أنه يتحتم على البلاد اتخاذ تدابير استباقية ضد الجفاف والتصحر المتنامي، إذ يمكن لتطوير الإستراتيجيات الوطنية وتنفيذها، الحد من المخاطر والتكيف مع تغير المناخ.

ويقطن في منطقة الجبل الغربي على ارتفاع 968 مترًا فوق سطح البحر نحو نصف مليون نسمة من أصل 7 ملايين عدد سكان ليبيا، وتعد المنطقة التي يسميها الأمازيغ "جبل نفوسه"، من المناطق التي تأثرت بوضوح بموجة الجفاف والتغيرات المناخية القاسية في السنوات الماضية.

ويقول مراد مخلوف، رئيس بلدية كاباو، إن التغيّر المناخي والجفاف المتصاعد في العقد الأخير، دفع المئات من العائلات إلى الهجرة إلى العاصمة طرابلس والمدن الساحلية. ويوضح أن "الجفاف لا يعني ندرة المياه فقط، بل لديه أبعاد مختلفة، لأنه مع انعدام وندرة هطول الأمطار توقفت الزراعة، لا يوجد زيتون ولا قمح وأي أصناف قابلة للزراعة في هذا المناخ القاسي".

ندرة المياه

ويرى سليمان محمد صاحب مزرعة ضربها الجفاف، أن تغير المناخ ربما يدفع يومًا ما إلى مغادرة جميع السكان، لأن الحياة بدون ماء تعني "الهلاك". ويضيف متسائلًا: "كيف يمكن للسكان الصبر، وصل الأمر إلى بيع المربين الأغنام التي يملكون، لأن تربيتها يحتاج ضعف ثمنها في ظل شح الماء".

وكانت منطقة الجبل حتى سنوات قليلة، واحدة من أشهر مناطق تربية الماشية، لكن الجفاف دفع الكثير من المربين إلى بيعها أو نقلها إلى مدن قريبة من الساحل، للاستمرار في تربيتها.

إمحمد معقاف، قال من أمام شجرة زيتون ضخمة تم قطعها حديثًا: "مع عدم وجود مياه جوفية وهطول أمطار، تعرضت آلاف من أشجار الزيتون للجفاف وماتت، فهذه شجرة زيتون عمرها 200 سنة، قطعناها لهلاكها لنقص الماء".

تشكل ندرة المياه عاملًا أساسيًا في مشكلات الزراعة في كاباو
تشكل ندرة المياه عاملًا أساسيًا في مشكلات الزراعة في كاباو- غيتي

ووفقًا لتقارير رسمية، شهدت ليبيا تراجعًا حادًا في كميات الأمطار التي كانت معدلاتها تصل إلى 400 ملم سنويًا، بينما لا تتعدى الآن 200 مليمتر منذ العام 2019.

وفي محاولة لتخفيف العبء، بدأت السلطات المحلية بيع مياه مدعومة لقاء 25 دينارًا ليبيًا (حوالي خمسة دولارات) لكل 12 ألف لتر. حيث تقوم صهاريج المياه بنقل الماء إلى أعلى الجبل في عملية مضنية، مع التضاريس الصعبة للطريق الضيق ومخاطر سقوطها من مرتفعات الجبل.

وتعتمد ليبيا في توفير المياه على مشروع النهر الصناعي الذي أطلقه الرئيس السابق معمر القذافي في ثمانينيات القرن الماضي، مع نقل المياه الجوفية من أقصى الجنوب الليبي، وهو مشروع يوفر حوالي 60% من المياه في ليبيا. لكن المياه تؤخذ من طبقات جوفية "غير متجددة" ولا يمكن إعادة تغذيتها بالمطر.

وصادقت ليبيا التي تمثل الصحراء حوالي 90% من مساحتها، على اتفاق باريس للمناخ في العام 2021، إلا إنها لم تقر السياسات أو خطط التكيف المطلوبة حتى الآن.

ويؤكد رئيس بلدية كاباو أن "أزمة الجفاف ليست في الجبل فقط بل تعاني منها ليبيا بالكامل، وتحتاج إلى خطط إنعاش واسعة ليست الحل النهائي، لكنها مقدمة للتكيف مع الأزمة".

ويختم قائلًا: "نأمل إطلاق مشروعات تنموية حقيقة واسعة في الجبل، للحد من الجفاف الذي تزداد وتيرته بشكل مقلق".

تابع القراءة
المصادر:
أ ف ب
تغطية خاصة
Close