في أحدث تصريحات صادرة من واشنطن بشأن مفاوضات التهدئة في غزة، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان "إن إسرائيل والولايات المتحدة ومصر وقطر توصلوا إلى تفاهم بشأن الملامح الرئيسية لصفقة الرهائن في غزة بغية الإعلان عن هدنة مؤقتة".
وفي تصريحات لشبكة "أن بي سي"، أشار سوليفان إلى أن الصفقة ما زالت قيد التفاوض، مؤكدًا ضرورة إجراء نقاشات مع حماس عبر قطر ومصر.
وجاءت تصريحات المسؤول الأميركي في خضم حديث مستمر من قبل وسائل إعلام إسرائيلية وأوساط سياسية عن أجواء إيجابية بشان إمكانية التوصل إلى اتفاق مع حماس استنادًا لما وُصف بالتقدم الكبير في النسخة الثانية من مفاوضات باريس، وسط حديث بأن قطر تستضيف خلال اليومين المقبلين اجتماعًا بحضور ممثلين عن الأطراف المعنية بالمفاوضات.
نتنياهو يصرّ على عملية رفح
وتزامنًا مع المواقف الأميركية، أدلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتصريح أكّد فيه "أنه لم يتضح بعد إن كانت المحادثات الجارية ستتمخض عن اتفاق بشأن الرهائن".
وقال نتنياهو: "إنه سيجتمع مع فريقه في وقت لاحق اليوم لمراجعة خطة عسكرية مزدوجة تشمل إجلاء المدنيين الفلسطينيين وعملية لتدمير ما تبقى من كتائب حماس في رفح"، حسب تصريحه.
وأضاف نتنياهو: "إن العملية قد تتأجل لبعض الوقت إذا تم التوصل إلى اتفاق، لكن سيتم إنجازها على أي حال".
ويأتي هذا بينما تتوالى التحذيرات من توسع الصراع إذا استمرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة خلال شهر رمضان. وكان آخرها ما صدر عن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال اجتماعه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وقد اعتبرت حركة حماس أن أجواء التفاؤل التي أشاعتها تصريحات واشنطن ووسائل إعلام إسرائيلية "غير واقعية"، متهمة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بـ"المراوغة والتهرب من الاستجابة لأهم المطالب المتعلقة بوقف العدوان والانسحاب التام من القطاع، وعودة النازحين إلى المناطق الشمالية".
ويبقى الغموض سيد الموقف بشأن التوصل إلى تفاهمات لتهدئة في غزة، ومن شأن تصريحات نتنياهو نسف أي اتفاق يلوح في الأفق، رغم الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها لإبرام الصفقة ولا سيما من ذوي الأسرى لدى حماس.
جرعة "تفاؤل مصطنعة"
وفي هذا الإطار، يعتبر مدير البرامج في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات خليل شاهين أن تصريحات نتنياهو تعكس موقفه الحقيقي، وهي رغبته في الاستمرار في الحرب حتى النهاية، بما في ذلك العملية البرية في رفح والتصعيد في مناطق أخرى من القطاع والضفة الغربية.
ويقول في حديث إلى "العربي" من رام الله، "إن ما سمعناه أمس كان جرعة من التفاؤل المصطنعة والمصممة خصيصًا لتوجيه الرأي العام الإسرائيلي بالتزامن مع الاحتجاجات التي انطلقت في الشوارع وتوسعت لتشمل فئات جديدة من المجتمع الإسرائيلي، مثل حركة "كابلان" التي كانت قد قادت الاحتجاجات في الشوارع الإسرائيلية قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي احتجاجًا على ما عُرف بخطة الانقلاب القضائي".
كما يلفت شاهين إلى "محاولة ضخ أجواء التفاؤل في الإعلام الإسرائيلي لقطع الطريق أمام تنامي هذه الاحتجاجات بالتزامن مع الموعد المحدد من محكمة العدل الدولية لتقديم تقرير من قبل إسرائيل استبقته هذه الأخيرة بتسريبات تتحدث عن استعدادها للالتزام في ردها التي ستوجهه للمحكمة بالإجراءات الاحترازية التي أقرتها المحكمة بناء على طلب جنوب إفريقيا. وتنص هذه الإجراءات على إدخال المساعدات الإنسانية".
ويشير شاهين إلى أن الرقابة العسكرية فرضت أمس حظرًا على نشر أي أخبار تتعلق بمفاوضات باريس خلافًا لما تم نشره.
محاولات ضغط إسرائيلية
من جانبه، يعتبر الباحث السياسي أحمد الحيلة أن نتنياهو يقوم بهجوم مزدوج على حركة حماس وعلى الشعب الفلسطيني وتحديدًا داخل قطاع غزة.
ويشير في حديث إلى "العربي" من اسطنبول، إلى أن نتنياهو ينفذ هجومًا إعلاميًا من خلال جملة من التسريبات المتصاعدة في الإعلام الإسرائيلي وحتى في الإعلام الأميركي.
ويلفت الحيلة إلى أن نتنياهو يحاول الضغط على حركة حماس، بالإضافة إلي الضغط العسكري المتواصل والتهديد باجتياح رفح وبأن هناك خططًا توضع على الطاولة. كما سرّب إلى الإعلام بأن هذه الخطة سيتم تنفيذها وبأن العملية على رفح قائمة ولا مفر منها.
وبحسب الحيلة، فإن حركة حماس في المقابل، تحدثت بشكل واضح أنه لم يصلها أي ورقة رسمية من الوسطاء. ورأى أنه رغم الضغط السيكولوجي الذي يفرضه نتنياهو ليدفع بحماس نحو تنازلات، فإن هذه الأخيرة تتحدث عن وقف العدوان والإنسحاب من غزة والإعمار والإغاثة، وهي مطالب إنسانية لإنقاذ الغزيين.
ويقول في هذا السياق: "أعتقد أنه من الصعب بمكان أن تتخلى حماس عن حقوق طبيعية للشعب الفلسطيني، لأن التخلي عن وقف العدوان ورفع الحصار سيبقي الشعب الفلسطيني مشردًا وجائعًا".
ويؤكد أن حماس لديها ورقة قوة وهي الأسرى والجنود والضباط الإسرائيليين، وإن فقدتها سيكون الضغط الإسرائيلي مضاعفًا وسيذهب نتنياهو بعيدًا في مشروعه الأمني".
وحول سيناريو الهدنة المؤقتة خلال شهر رمضان والأعياد، يعتبر الحيلة أن ذلك يتطلب "تسليم حماس إسرائيل عدد من الأسرى مقابل التزام إسرائيل بوقف العدوان"، لكنه يعتبر أن "إعادة النازحين إلى أماكن سكنهم سيمثل العقدة".
خلق مساحة مشترك
وعن الدور المصري، يشير الخبير في العلاقات الدولية أيمن سمير إلى أن مصر وسيط وهي تساعد حركة حماس والشعب الفلسطيني، ويعتبر أولوية مصر هي وقف إطلاق النار الذي يعني تأجيل اجتياح رفح، وهو مطلب فلسطيني.
وفي حديث إلى "العربي" من القاهرة، بعتبر سمير أن "المفاوضات تسير بشكل جيد وأن هناك مؤشرات على هذا الأمر". وشرح أنه عندما بدأت المفاوضات في باريس أطلق على اتفاق باريس "الاتفاق الإطاري".
كما يوضح أن المفاوضات عادة ما تبدأ بالعرض الافتتاحي الذي يقدم فيه كل طرف للآخر سقف مرتفع من المطالب حيث تكون الحسابات صفرية.
ويلفت إلى أنه في جولة المفاوضات الأولى جرى الاتفاق على الخطوط العريضة، بينما كان الهدف من جولة المفاوضات الأخيرة سد الثغرات وخلق مساحة مشتركة بين الطرفين، "حركة حماس وإسرائيل". ورأى سمير أن الوسيطين القطري والمصري نجحا في هذا الأمر للغاية.
وحول ماهية المساحة المشتركة، يلحظ سمير أن إسرائيل تريد إطلاق سراح الرهائن، فيما لا تمانع حماس في تحقيق ذلك، لكنها تضع شروطًا. كما تنازلت إسرائيل في العرض الأخير عن قرارها بعدم السماح لسكان قطاع غزة بالعودة لمناطقهم، بحسب سمير.
وإذ يؤكد أن إسرائيل ترفض حتى الآن انسحاب الجيش الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، يشير الخبير في العلاقات الدولية إلى أن تل أبيب عرضت أن تنسحب من التجمعات السكانية بما يسمح بوصول قوافل المساعدات الإنسانية.
ويعتبر أن ذلك قد يشكل مساحة للتفاوض بين الأطقم الفنية، مشيرًا إلى أن المفاوضات لم تنته بعد حيث ستذهب الوفود الفنية إلى الدوحة، وإذا لم تتوصل إلى اتفاق ستذهب إلى القاهرة، حسب قوله.
ولا يستبعد سمير أن يكون هناك "اجتماع ثالث في باريس بشأن الهدنة في غزة والتي يحتاجها الجميع".