قسم موقف المحكمة الجنائية الدولية، الذي تحدث عن السعي لإصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين، المشرعين الأميركيين بين معارض ومشيد.
والإثنين، كشف المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أنه طلب إصدار مذكرات اعتقال دولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت وثلاثة من قيادات "حماس"، هم إسماعيل هنية ويحيي السنوار ومحمد ضيف؛ بتهم "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية".
واتخاذ القرار بشأن ما إذا كان سيتم إصدار أي من مذكرات الاعتقال المطلوبة يقع على عاتق لجنة مكوّنة من 3 قضاة في المحكمة الجنائية الدولية، بناء على تقييم الأدلة المقدمة من مكتب كريم خان.
وسبق لكبار الجمهوريين في الكونغرس أن هددوا خان وكبار مسؤوليه وعائلاتهم بالانتقام إذا أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين. وأشارت تقارير إلى أن أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ يعملون على صياغة تشريع لسن عقوبات.
وبينما لم يتم إصدار إعلان رسمي بعد، كان رد فعل الأعضاء في كلا المجلسين قاسيًا بشكل عام، ضد قرار كريم خان.
انقسام أميركي بشأن موقف المحكمة الجنائية الدولية
وقال رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون، يوم أمس، إنه على وشك دعوة نتنياهو لإلقاء كلمة بالكونغرس حتى لو لم يوافق زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ على ذلك.
وقال جونسون للصحفيين في مبنى الكونغرس إنه أمهل زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ تشاك شومر حتى الثلاثاء، للتوقيع على رسالة تدعو نتنياهو لإلقاء كلمة في جلسة مشتركة. وأضاف: "إن لم يوافق، سنمضي قدمًا وسندعو نتنياهو لمجلس النواب فقط".
وأكد شومر أنه تحدث إلى جونسون. وقال للصحفيين في مؤتمره الصحفي الأسبوعي: "أناقش ذلك الآن مع رئيس مجلس النواب، وكما قلت دائمًا، علاقتنا مع إسرائيل متينة. إنها تتجاوز أي رئيس وزراء أو رئيس".
ويسلط الانقسام المحتمل بين الحزبين في هذا الشأن الضوء على التأثير السياسي للنهج الأميركي تجاه إسرائيل قبل شهور من الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني، والتي سيتنافس فيها الرئيس الديمقراطي جو بايدن ضد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب.
وانتقد الجمهوريون بايدن بسبب حجبه شحنة أسلحة كانت مخصصة لإسرائيل، على الرغم من أن عمليات إعداد شحنات أخرى لم تتوقف.
وألقى نتنياهو، الذي يميل منذ فترة طويلة إلى الجمهوريين، كلمة في مارس/ آذار الفائت، على أعضاء الحزب الجمهوري بمجلس الشيوخ عبر دائرة تلفزيونية، بعد أسبوع تقريبًا من إلقاء شومر خطابًا بمجلس الشيوخ وصف فيه رئيس الوزراء، بأنه عقبة أمام السلام وحث على إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل.
ويعد إلقاء كلمة في جلسة مشتركة لمجلس النواب والشيوخ الأميركي، تشريفًا نادرًا يقتصر في العادة على أقرب حلفاء الولايات المتحدة أو الشخصيات العالمية الكبرى. وتحدث نتنياهو في جلسات مشتركة للكونغرس في ثلاث مناسبات من قبل آخرها في عام 2015.
عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية؟
السيناتور ليندزي غراهام الذي سبق وطالب بضرب غزة بقنبلة نووية لإنهاء الحرب، قال عن قرار كريم خان إن "هذا القرار الفظيع هو في الحقيقة صفعة على وجه القضاء المستقل في إسرائيل". وأضاف: "سأعمل بشكل حثيث مع زملائي من كلا الجانبين في كلا المجلسين لفرض عقوبات صارمة على المحكمة الجنائية الدولية".
من جانبه، وصف السيناتور جيم ريش، كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، قرار المحكمة بـ"السخيف". واعتبر في بيان أن "طلب المحكمة أوامر اعتقال بحق حماس ومسؤولين إسرائيليين في الوقت نفسه يوفر تكافؤًا أخلاقيًا زائفًا بين أفعال الجانبين".
وزعم ريش أن "إسرائيل ردّت على عدوان حماس المتهور بحذر شديد تجاه المدنيين". وادّعى أن تصرفات كريم خان "أضرّت بمصداقية المحكمة وبشكل خطير بجهود المساءلة المشروعة حيث تحدث جرائم حرب حقيقية، مثل أوكرانيا وسوريا وفي جميع أنحاء إفريقيا".
النائب، ريتشي توريس، وهو من أشد المؤيدين لإسرائيل بين زملائه الديمقراطيين، والذي أيّد اتخاذ إجراء عقابي ضد المحكمة الجنائية الدولية إذا أصدرت أوامر اعتقال، اعتبر أن إجراء المحكمة "ليس قانونًا، بل سياسة".
وهاجم المحكمة في منشور على منصة "إكس" قائلًا: "هذه ليست عدالة، بل انتقام من إسرائيل على الخطيئة الأصلية المتمثلة في الوجود كدولة يهودية، والخطيئة اللاحقة المتمثلة في الدفاع عن نفسها وسط اليوم الأكثر دموية لليهود منذ المحرقة"، وفق زعمه.
دعوة لاعتقال نتنياهو
وعلى عكس توريس، أشاد الديمقراطيون التقدميون بخطوة كريم خان بحق مسؤولين إسرائيليين. وقال السيناتور بيرني ساندرز إن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية "على حق في اتخاذ هذه الإجراءات"، معتبرا أن "أوامر الاعتقال هذه قد يتم أو لا يتم تنفيذها، لكن من الضروري أن يحترم المجتمع الدولي القانون الدولي".
وأضاف في بيان: "دون هذه المعايير من اللياقة والأخلاق، قد ينحدر هذا الكوكب بسرعة إلى الفوضى، والحروب التي لا تنتهي أبدًا، والهمجية".
من جهته، قال النائب مارك بوكان في منشور على "إكس": "إذا حاول نتنياهو إلقاء خطاب أمام الكونغرس في واشنطن، فسأكون سعيدًا جدًا بأن أوضح للمحكمة الجنائية الدولية الطريق إلى قاعة مجلس النواب لتنفيذ مذكرة الاعتقال هذه، والأمر نفسه بالنسبة لزعيم حماس".
ودعا إلى وقف إطلاق النار، وقطع تزويد إسرائيل بأسلحة هجومية، مؤكدًا ضرورة توصيل الغذاء والماء والدواء إلى غزة.
أما النائبة إلهان عمر، فقد أعربت عن سعادتها البالغة بالقرار، وقالت في بيان: "يجب السماح للمحكمة الجنائية الدولية بالقيام بعملها بشكل مستقل ودون تدخل"، ووصفت الادعاءات الصادرة عن مكتب المدعي العام بالـ "مهمة"، وقالت: "لطالما كان اعتقادي أن غياب عمليات ذات مصداقية لتحقيق العدالة هو السبب الرئيسي وراء استمرار تصاعد الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين".
من جانبها، قالت النائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، الإثنين: "أعتقد أن دورنا قدر الإمكان هو أن نوقف التمويل الأميركي لانتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم الحرب والانتهاكات التي نراها تحدث في غزة والضفة الغربية وفي جميع أنحاء فلسطين".
وفي وقت سابق الثلاثاء، كشف المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية، عن تلقّيه تهديدات أثناء إجرائه تحقيقات ضد مسؤولين إسرائيليين، وعن أنه قيل له إن المحكمة "أُنشئت لمحاسبة إفريقيا والبلطجية وليس الغرب وحلفاءه". وانتقد خان تلك التصرفات بقوله: "يجب أن تكون هذه المحكمة انتصارًا للقانون على السلطة والقوة الغاشمة، لا أحد فوق القانون".