لا تزال تداعيات الانقلاب العسكري في السودان مستمرّة، حيث تتواصل الاحتجاجات على استيلاء الجيش على السلطة، على وقع تصاعد الضغط الدولي للمطالبة بالعودة إلى الحكم المدني.
وفي التطورات الميدانية، قُتِل ثلاثة متظاهرين في الخرطوم حيث خرج عشرات الآلاف من السودانيين إلى الشوارع للمطالبة بحكومة مدنية وبإسقاط حكم العسكر.
من جهتها، نفت الشرطة السودانية استخدام الرصاص الحيّ واتهمت مجموعات من المتظاهرين بالخروج عن السلمية، ومهاجمة الشرطة ما استدعى استخدام الغاز المسيل للدموع.
أعداد القتلى في تزايد
وإذا كانت احتجاجات السودانيين تشكّل ما يمكن وصفه بـ"ثورة" ضد الحكم العسكري، فهي الثانية من نوعها في غضون ثلاث سنوات مرّت منذ الإطاحة بنظام عمر البشير في ثورة مدنية.
لكنّ الثورات في السودان تولد الواحدة تلو الأخرى، ولا تمرّ من دون سقوط ضحايا مدنيين، علمًا أنّ أعداد القتلى في تزايد منذ انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
يأتي ذلك على وقع تحذيرات من تدهور الوضع الميداني وسقوط ضحايا مدنيين كثر، بعدما تلقت دعوات قوى الحرية والتغيير إلى الاحتجاج استجابة كبيرة من المواطنين، واتسعت رقعة الثورة إلى مختلف المظاهرات.
صفحة جديدة من ثورات السودان
وبحسب مراسل "العربي"، فقد حالت إجراءات أمنية شديدة دون وصول المتظاهرين إلى عدد من الساحات، لكنّ "المليونية" التي حصلت ستفتح صفحة جديدة في ثورات السودان التي تطالب بحكم مدني بعد ثلاثة عقود من حكم العسكر، أملًا بإرساء حكم ديمقراطي يكفل حق التداول السلمي للسلطة.
ويشير مراسلنا إلى أنّ عدد الجرحى فاق المئة بحسب ما أعلنت لجنة أطباء السودان، لافتًا إلى أنّ الاحتجاجات شهدت حضورًا ومشاركة مميزة للمرأة السودانية، إضافة إلى الشباب في مختلف المناطق.
ويلاحظ أنّ الهتافات التي أطلِقت حملت تغييرات، فهناك من هتف باسم رئيس الوزراء المعتقل عبد الله حمدوك، وكذلك كانت هناك هتافات منددة بالانقلاب العسكري وبوجود العسكريين في المجلس السيادي، وكان جوهرها المطالبة بالحكم المدني.
الشعب السوداني "لن يقبل" بالحكم العسكري
ويرى الباحث السياسي عز الدين جعفر أنّ ما حصل أمس توّج مسيرة نضالية طويلة، مشيرًا إلى أنّ الشعب السوداني قال كلمته بأنّ "الردّة مستحيلة، ولا للانقلابات العسكرية في السودان".
ويشدد في حديث إلى "العربي"، من الدوحة، على أنّ الشعب السوداني لن يقبل انقلابًا عسكريًا جديدًا في السودان، ولن يقبل أن يحكمه عسكري في هذا البلد.
ويعتبر أنّ ما حدث في السودان منذ 25 أكتوبر هو انقلاب مكتمل الأركان، موضحًا أنّه انقلاب على الوثيقة الدستورية التي توافقت عليها قوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري.
ويقول: "يبدو أنّ المجلس العسكري يقرأ من الكتاب نفسه الذي كان يقرأ منه الرئيس المعزول عمر البشير، وهو لم يقرأ رسالة الشارع بهذا المعنى".
من فتح الباب واسعًا أمام عودة العسكر؟
من جهته، يعتبر الباحث السياسي خالد الأعيسر أن الرسالة وصلت إلى المؤسسة العسكرية في السودان، أنّ الشعب السوداني عازم على تحقيق مدنية الدولة.
ويشير الأعيسر في اتصال مع "العربي"، إلى أنّ السودان يعيش أزمة، مشدّدًا على وجوب الدفع باتجاه التحول الديمقراطي، باعتبار أنّ ما تمّ في السنتين الماضيتين لم يكن تجربة سياسية "موفّقة"، على حدّ قوله.
وينتقد الأعيسر القوى السياسية التي تشكّل قوى الحرية والتغيير في مكوّنيها اللذين كانا أساسًا في هذا النزاع الذي يجري الآن.
ويشدّد على رفض تكرار تجربة الأنظمة الشمولية من جديد، وضرورة عدم فتح الباب واسعًا أمام العسكر.
ويعتبر أنّ الواقعية تتطلب القول إنّ ما فتح الباب واسعًا لعودة المؤسسة العسكرية هو الصراعات السياسية بين الأحزاب التي "اختطفت" ثورة الشعب، وغرقت في المحاصصة السياسية، مع تأكيده على أنّ ذلك لا "يبرّر على الإطلاق" عودة العسكر.