بين زمنين وعدّة أماكن، يسلّط وثائقي خاص من إنتاج "التلفزيون العربي" بعنوان "حفرة الموت"، الضوء على مجزرة حي التضامن، التي ارتكبها النظام السوري جنوب دمشق في 16 أبريل/ نيسان 2013.
فبين حي التضامن، والفرع الأمني 227، ومدينة فرانكفورت الألمانية، يُرسم المشهد عام 2022 ويُستعاد ما كان عليه قبل نحو 9 أعوام.
وكان تحقيق نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية قد كشف جزءًا من تفاصيل مجزرة حي التضامن التي ارتكبت في وضح النهار خلال 25 دقيقة، وشهدت إعدام 41 مدنيًا سوريًا وفلسطينيًا بدم بارد.
وأظهرت اللقطات المسرّبة بعدسة عناصر الأمن أنفسهم، الحفرة التي قُذف فيها الضحايا واحدًا تلو الآخر تمهيدًا لدفنهم في مقبرة جماعية، ثم سكب القتلة الوقود على الجثث الهامدة وأشعلوا النار فيها، وربما كان بعضهم لا يزال حيًا.
وأثارت التسجيلات المسرّبة أسئلة كثيرة، لا سيما حول هوية المجندين، ومن الذي اتخذ القرار بتصفية الضحايا، ومن هم هؤلاء الذين أحرقوا في حفرة التضامن.
وفي وثائقي "حفرة الموت"، يقدّم الزميل عدنان جان ما جمعه "العربي" من معلومات، وما أجراه من مقابلات وما مدته به المصادر. وإلى جانب الشهادات، عرضت الحلقة لمقاطع فيديو خاصة تظهر اعترافات مسؤولين عن مجزرة حي التضامن.
مسرّب وحلقة وصل
وكان الفيديو قد سربه منشق عسكري. ويعرض "العربي" ما توصل إليه من خلال مصادر، من حيث أن هذا المجند الذي حمل المقطع المصور تمكن بعد 3 سنوات، وخلال رحلة محفوفة بالمخاطر، من الهروب إلى خارج سوريا، فكان المصدر الرئيسي لفيديو المجزرة. لكنه يلفت إلى أن سبب الانشقاق وتسريب المقاطع سيبقى السؤال المفتوح.
أما حلقة الوصل، فكانت فريق من الباحثين في قضايا الإبادة الجماعية، عمل على امتداد عامين بهدف الوصول إلى القتلة الذين ظهروا في مسرح الجريمة.
ويقول أيجور أنغور، أستاذ دراسات الإبادة الجماعية: إن المذبحة تشبه إلى حد ما المذابح التي ارتكبت في الهولوكوست، ولكن برصاص وحدات القتل المتنقلة، وكذلك مذبحة سربرينيستا التي قُتل فيها 8 آلاف بوسني.
ويروي كيف تم الوصول إلى الجناة عبر الفيسبوك ومصادقتهم والحديث معهم على مدى أشهر، لافتًا إلى أنهم "كانوا في البداية متشككين للغاية بشأن ما كنا نفعله، لكنا حصلنا تدريجيًا على بعض التقارير وتمكنا من التأكد من أسمائهم وخلفياتهم ومهنهم".
ويتطرق إلى حوار مع زعيم مطلقي النار وصفه بالمثير للاهتمام، تناول من أطلق النار ورؤيته للصراع والظروف المحددة جنوب دمشق.
إلى ذلك، يقدم أنغور تحليلًا بشأن طريقة القتل وتصوير الفيديو، الذين اعتبر أن طبيعة ممنهجة تغلب عليهم، مفندًا ما ذهب إليه في هذا الصدد بالإشارة إلى مخاطبتهم زعيمهم من خلال التصوير وتوثيق كل طلقة تم إطلاقها وكل جثة سقطت في المقبرة الجماعية.
من ناحيته، يصف رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث أنور البني، بالمصيبة الحقيقية أن نرى، نحن السوريون والعالم، كيف ارتكبت مجازر – ليس بمواجهة أعداء مفترضين – بل استهدافًا لأناس أبرياء لا علاقة لهم بالقتال؛ قتل للمتعة فقط.
ويعتبر أن حرق الجثث ومشاهدة ألسنة اللهب كان لزيادة متعة الجناة، وليس فقط للتغطية على جريمتهم، حيث كان بإمكانهم دفنهم وحسب.
هوية الجناة
وللوقوف على هوية القاتل الذي نفذ المجزرة، التي وثقتها عدسة العناصر العسكرية، انطلق "العربي" صوب حي التضامن للوقوف على ما جرى قبل سنوات.
الحي يقع عند المدخل الجنوبي لدمشق، فيفصل بين وسط العاصمة ومخيم اليرموك، الذي يقطنه فلسطينيون وسوريون.
وينقل الوثائقي عن حاتم الدمشقي، رئيس المجلس السابق لحي التضامن، إشارته إلى الخصوصية التي ميزت حي التضامن وجنوب دمشق لدى النظام، الذي لم يتوقع خروج أهالي حي التضامن ضد النظام، وهو الأقرب إلى دمشق.
وعليه، يعتبر أن المجازر والإعدامات الميدانية التي ارتكبت في هذا الحي كانت تتبع بطريقة ممنهجة.
ويلفت إلى أن أمجد يوسف كان المشرف الأساسي على تدمير أبنية حي السليخة في حي التضامن، والجزار الحقيقي الذي كان يقود معظم المعتقلين عبر الحواجز باتجاه الأبنية المحيطة بصالة الحسناء ويقوم إما بتصفيتهم أو بإرسالهم إلى أفرع معينة.
وأمجد اليوسف الذي أوكلت إليه مسؤولية تأمين حي التضامن بين العامين 2011 و2018، هو بطل المجزرة، ومعه زميله نجيب الحلبي.
تسجيلات واعترافات
ويعرض التلفزيون "العربي" لتسجيل محادثات عبر الإنترنت تبيّن اعترافات كثيرة تم تسجيلها في فترات مختلفة، اعترف خلالها اليوسف بدوره في سنوات الثورة.
وفيما بدا مرتاحًا إلى أبعد حد، تحدث عن كواليس العمل العسكري والأمني.
واليوسف والحلبي لم يكونا المسؤولين الوحيدين عن مجازر حي التضامن، فهناك أسماء أخرى توثقها الشهادات كصالح الراس المعروف باسم أبو المنتجب.
و"العربي" حصل أيضًا على تسجيل صوتي للعقيد جمال الخطيب، المسؤول المباشر عن أمجد يوسف، يعترف فيه عن مسؤوليته عن مجزرة التضامن.
فيما يخصّ مكان وقوع المجزرة، فقد تحدد بجهود ناشطين من حي التضامن، بعد أن تم تعبيد الطريق الذي دُفنت فيه جثث الضحايا، واختفت جميع معالم الجريمة.
ضحايا مجزرة التضامن
أما أسماء الضحايا، فمنها ما تكشف بعد سنوات من المصير المجهول، حيث جرى التعرف على مجموعة من المفقودين كان معظمهم من فلسطينيي مخيم اليرموك، الذين لا تعلم عائلاتهم حتى الآن لِم اعتقلوا أو قتلوا.
إحدى هذه العائلات هي عائلة صيام، التي تقطن اليوم في فرانكفورت الألمانية، بعدما هربت من جحيم الحرب في سوريا حاملة معها ما تبقى من ذكريات ابنها الذي فقدته منذ 9 أعوام.
وكانت الصدمة كبيرة لدى هذه العائلة عندما شاهدت وسيم وهو يساق إلى حتفه في مجرزة التضامن.
تروي والدته سهام لـ "العربي" رد فعل العائلة من حولها عندما شاهدوا وسيم، وكيف أعلموها بأنه كان من بين ضحايا المجزرة.
وتكشف كيف تبينت أنه ابنها، لا سيما بالاستناد إلى البنطالون الذي كان يرتديه، مستعيدة اليوم الذي شاهدت فيه نجلها للمرة الأخيرة. وتؤكد أن ابنها بطل وشهم ولا يُهان، لكنهم غدارون وتكاثروا عليه.
بدوره، يستعيد خالد شقيق وسيم كيف تم اعتقال أخاه خلال نقله الطحين إلى فرن الضياء، مشيرًا إلى أن وسيم كان شابًا مسالمًا.
ويقول: نحن فلسطينيون لم نتدخل بالنزاع، وأغلب الشباب الفلسطينيين هاجروا منذ العام 2012، متوجهًا إلى النظام بالقول: أنتم قتلتونا ونكلتوا فينا وضحكتوا علينا باسم القضية الفلسطينية، أنتم قتلة وسفكة دم.
الفرع 227
يُعد الفرع الأمني 227، المكان الذي يضم العناصر المتهمة بتنفيذ مجزرة التضامن. وهو إلى ذلك، فرع أمني خطير تابع للأمن العسكري بشكل مباشر، ويعتبر وسيلة لارتقاء الضباط إلى مناصب عليا.
وتشير التقارير الحقوقية إلى أن هذا الفرع كان المسؤول الأول عن ارتكاب عشرات المجازر إبان الثورة، والمسؤول عن معظم حالات الاختفاء القسري التي حصلت في تلك المنطقة، بعدما اتخذ من البيوت مقرات وسجون سرية.
وتقدم رنيم معتوق، المعتقلة السابقة في الفرع، عبر "العربي" شهادتها عن المكان، وتصفه بأنه "كوريدور الموت".
ما الذي يقوله الخبير في القانون الدولي كريستوف سافيرلينج عن إمكانية إقامة محاكمة على مستوى دولي لهذه الارتكابات، الإجابة وتفاصبل أخرى في الحلقة المرفقة.