الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

رسائل الأسماك.. مذكرات جنرال إيراني تروي سردية طهران عن التدخل بسوريا

رسائل الأسماك.. مذكرات جنرال إيراني تروي سردية طهران عن التدخل بسوريا

شارك القصة

تغوص هذه الحلقة من "مذكّرات" في دور الجنرال بالحرس الثوري الإيراني حسين همداني في مساعدة النظام السوري (الصورة: تويتر)
حكت مذكرات حسين همداني في طياتها قصة جنرال عنيف من الحرس الثوري الإيراني، ما جعله يوضع على لائحة العقوبات الدولية في أبريل 2011.

لا يزال التدخل الإيراني في قمع الثورة السورية محط تساؤلات عديدة. ولم تجب تصريحات مسؤولي الحرس الثوري منذ بدء التدخل العلني لمساعدة النظام السوري، على كل الأسئلة حول طبيعة هذا التدخل وأشكاله.

يحاول "العربي"، في وثائقي "رسائل الأسماك .. حقائق عن التدخل الإيراني ودور حزب الله في سوريا"، ضمن سلسلة "مذكرات"، الإجابة عن أسئلة حول بداية هذا التدخل، والغوص في مذكرات أحد أبرز القادة الإيرانيين في سوريا، الجنرال حسين همداني.

همداني، والذي قتل عام 2015 في حلب، كان الرجل الأبرز للجمهورية الإسلامية في سوريا، وترك مقتله أسئلة كثيرة عن التفجير الذي استهدفه.

مذكرات همداني

في أربعينية الجنرال الإيراني، صدرت مذكراته بعنوان "رسائل الأسماك" عن دار نشر تابعة للحرس الثوري.

اعتمدت هذه المذكرات على مقابلات أجراها صحافي إيراني مع همداني قبل مقتله، حيث دوّن مسيرته العسكرية والسياسية في قلب إدارة النظام الإيراني.

وتقدم المذكرات رواية رسمية عن حياة همداني الحافلة بالمعارك، وتظهر الجنرال بصورة مثالية كـ"مؤمن عاطفي".

لكن المذكرات روت في طياتها قصة جنرال عنيف من الحرس الثوري الإيراني، ما جعله يوضع على لائحة العقوبات الدولية في أبريل/ نيسان 2011.

سبب اختيار همداني

شارك همداني في عدد من المعارك خلال الحرب العراقية الإيرانية، وتدرّج بعد مشاركته فيها، وصولًا إلى تعيينه مسؤولًا عن عمليات الحرس الثوري في طهران، قبل نقله إلى سوريا.

من هنا، يروي حسين كنعاني مقدم،  الجنرال السابق في الحرس، "ميزات همداني" ويقول: "إذا أردنا إعطاء ملخص عن مميزاته، فقد يكون أشبه شخص بالقائد السابق لفيلق القدس بالحرس قاسم سليماني، وشاهدنا أثره القوي في الحرب مع العراق".

ويضيف، في حديث إلى "العربي": "بدأ همداني عمله العسكري جنديًا، قبل أن يرتقي إلى منصب جنرال بسبب قدراته".

ويشدد على أن "همداني كان الخيار الأنسب للمشاركة في سوريا بسبب تجاربه وخبرته".

من جهته، يشير مدير مؤسسة الذاكرة السورية عبد الرحمن الحاج إلى أن "معظم الخبرات التي اكتسبها همداني كانت في القمع الداخلي، بدءًا من الأكراد مرورًا بالأهواز".

ويلفت، في حديث إلى "العربي"، إلى أن "الخبرات العسكرية التي اكتسبها في الحرب العراقية كانت اضطرارية، والخبرات الحقيقية الأساسية كانت في القمع الداخلي وتوّجت بتوليه منصب قائد فيلق "محمد رسول الله" المسؤول عن قمع التظاهرات عام 2009 في طهران".

بداية التدخل في سوريا

يشرح همداني في كتاب مذكراته، أنه "في 3 يناير/ كانون الثاني 2012 كُلّفت بالذهاب إلى سوريا في وقت كنت فيه قائدًا للحرس الثوري في محافظة طهران".

ويتابع قائلًا: "لم تكن تداعيات فتنة 2009 انتهت بعد، واستدعاني الجنرال محمد عزيز جعفري، وبعد حضوري إلى مكتبه وقدمت له تقريرًا عن أوضاع فيلق طهران، سألني إن كنت أريد الذهاب إلى سوريا، وبما أنني كنت متحمسًا للدفاع عن حرمة السيدة زينب والسيدة رقية، لم أتردد في الموافقة".

وتعليقًا على ذلك، يؤكد كنعاني مقدم أن "همداني لم يكن من الذين يجادلون، بل كان مطيعًا جدًا خصوصًا للمرشد الأعلى علي خامنئي ولسليماني".

"مؤامرة في سوريا"

يقدم همداني في "رسائل الأسماك" رواية مخالفة عن رواية النظام السوري، ويقول: إن النظام استخدم العنف المفرط ضد الاحتجاجات الشعبية.

رغم ذلك، يتّفق همداني مع سردية النظام حول وجود مؤامرة في سوريا، فما هي المؤامرة بالنسبة للإيرانيين؟

يشرح همداني قائلًا: "بدأ تنفيذ مخطط نشر الفوضى في سوريا في 15 مارس/ آذار 2011 عقب الأحداث في محافظة درعا، حيث خرجت مسيرات احتجاجية، وبعد تدخل النظام، بدأ الصراع مع الشعب. لذا قلنا للنظام إنه لا يجب مواجهة احتجاجات شعبية بهذه القسوة".

وتعليقًا على ذلك، يعتبر مدير مؤسسة الذاكرة السورية عبد الرحمن الحاج أنه "مع تطور الأحداث في سوريا، شعر الإيرانيون أن النظام في خطر ما قد يطيح بالحليف الأبرز في المنطقة".

ويرى أنه في تلك اللحظة، "فكّر الإيرانيون أن التعاطي مع الثورة يجب أن يكون على أساس أنها مؤامرة دولية من أجل إسقاط محور المقاومة".

من جهته، يعتبر كنعاني مقدم أن "أميركا أرادت من أحداث سوريا زعزعة استقرار المنطقة، لذا بدأ الحديث إلى إيران حول هذا الموضوع".

صراع مع قيادات النظام السوري

استمرت الاحتجاجات بالتصاعد في سوريا، لتتحول إلى ثورة تجتاح البلاد. ومع سقوط مئات الضحايا، دخلت الثورة نفقًا دون عودة، فأخذت المقاومة المسلحة تتصاعد مع انشقاق ضباط من جيش النظام، ووسعت إيران حضورها في سوريا لمواجهة ذلك.

ويعلّق همداني على هذه الفترة في مذكراته قائلًا: "الحقيقة أنني كنت قلقًا في بداية الأزمة، وعبرت عن ذلك في بعض اللقاءات الداخلية؛ أولًا رأينا دور القيادة في سوريا مهمًا وشعرنا أن قيادة الأسد قد تكون من أكثر النقاط ضعفًا، فهو طبيب عيون تعلّم في أوروبا ولا خبرة لديه في الحكم، ولا يمكنه إدارة الأزمة بشكل فعال".

يشير همداني، الذي باشر مهامه عام 2012 إلى أنه سبقه جنرالات آخرون إلى سوريا، إلا أن وجوده كان غير مرحب به بين الضباط السوريين، وسط معارضة من القيادات السورية لتدخله في شوون النظام.

وحول هذا الخلاف، يقول الحاج: "لم يكن لدى خلية الأزمة التابعة للنظام السوري رغبة بتحكم إيراني في الأزمة، وكانت ترغب فقط في نقل المعدات والخبرات".

تفجير مبنى الأمن القومي

لكن بعد أشهر قليلة من مجيء همداني، وقع تفجير ضخم في مبنى الأمن القومي للنظام، وقتل على إثره أعضاء بارزون في خلية الأزمة.

ورغم إعلان النظام أن التفجير سببه انتحاري، إلا أن همداني في مذكراته أكد أن السبب عبوة زرعت تحت طاولة الاجتماعات.

ويقول كنعاني مقدم: "عندما سمعت بالخبر، حاولت التواصل مع همداني مباشرة لأنه عادة ما يشارك في هذا النوع من الاجتماعات".

ويضيف: "عقب هذا الحادث، اتفقنا في الحرس على ضرورة مكافحة التجسس الأجنبي داخل النظام".

من جهته، يعتبر الحاج أن "الإيرانيين كانون أكبر المستفيدين من تفجير مبنى الأمن القومي".

ويشير إلى أن "خلية الأزمة التابعة للنظام كانت حاجزًا أمام الإيرانيين في سوريا، وبالتالي كان القضاء على أعضائها في التفجير مكسبًا كبيرًا لطهران".

ويلفت إلى أنه "بعد القضاء على خلية الأزمة، انتقلت العمليات العسكرية في سوريا إلى صيغة أخرى، وأصبحت إدارة المعارك سورية إيرانية مشتركة".

ميليشيات طائفية

وضع همداني خارطة طريق شاملة لإنهاء الأزمة في سوريا، متخذًا منهجًا مركبًا، مع شرط خامنئي بأن تكون السياسات العامة للتحركات بيد أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله.

ويشير همداني في مذكراته إلى أن "نصر الله كان يشترط مساعدة بشار الأسد ونظامه من الزوال، قبل التفكير بأي نشاطات أخرى في سوريا".

ويضيف: "كان النظام السوري يريد الأسلحة، فطلبت من قادته أن يجنّد العلويين والشيعة السوريين، واتفقنا على تجنيد 500 شيعي و2000 علوي، وفي نهاية الجلسة سلّمنا الرشاشات والمسدسات".

ويتابع قائلًا: "خلال أسبوعين، قمنا بتدريبهم وتنظيمهم، وكانت النواة الأولى للأمل بإخماد الفوضى".

بناء على ذلك، يرى الحاج أن "هناك سببين لدى الإيرانيين لتشكيل ميليشيات طائفية، الأول أن التفكير الإيراني طائفي، والثاني أن إيران كانت تخاف من السنة الموجودين في جيش النظام السوري، لذا حاولت منع تسليحهم".

لعبت الميليشيات الطائفية دورًا بارزًا في إنقاذ النظام، ويذكر همداني في مذكراته أن الأسد كان سيهرب من دمشق عام 2013، إلا أنه استطاع إقناعه بالتراجع.

مقتل همداني

يروي الحاج أن همداني قتل في منطقة ضيقة في حلب، تفصل بين مناطق سيطرة تنظيم "داعش" من جهة وسيطرة الجيش السوري الحر من منطقة أخرى.

ويضيف: "في تلك الفترة، لم يكن هناك صدام بين داعش والنظام، بل على العكس، كان هناك تنسيق بين الطرفين لمواجهة الجيش السوري الحر، ما يضع علامات استفهام حول الرواية الإيرانية بأن تنظام الدولة هو من قتل الجنرال".

ويتابع قائلًا: "تساعد هذه الرواية السردية الإيرانية، بأنهم أتوا إلى سوريا لمواجهة الإرهاب".

بروباغندا إيرانية

يمثل كتاب "رسائل الأسماك" جزءًا من تقليد لدى القيادات العسكرية والسياسية في إيران، التي تقوم بإصدار مذكرات لتقديم رواية خاصة عن الأحداث.

ويشرح كنعاني مقدم قائلًا: "منذ الحرب العراقية الإيرانية، كنا نعتمد هذا النهج، لذا لدينا تاريخ شفوي عن كل الأحداث وعلى لسان عدة أشخاص".

بدوره، يرى الحاج أن هذه السياسة "هي جزء من بروباغندا النظام الإيراني، بأنهم لم يأتوا إلى سوريا لقتل الناس، بل لتخفيف الضرر عن سوريا، علمًا أن فترة تواجد الإيرانيين كانت عهد سحق المدن السورية".

تابع القراءة
المصادر:
العربي
Close