تفصل تونس عن ثالث انتخابات رئاسية بعد ثورة 2011 أقل من ثلاثة أشهر، في ظل أزمة سياسية متواصلة، وحالة من الجدل والانقسام في البلاد.
ويرى البعض أن المناخ السياسي لا يسمح بإجراء انتخابات حرة وشفافة وتنافسية في ظل استمرار ملاحقة واعتقال مرشحين محتملين أمام الرئيس قيس سعيّد.
كما يرى هؤلاء أن الشروط الجديدة التي فرضتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تزيد العراقيل أمام الراغبين في الوصول إلى قصر قرطاج. فكيف يبدو المشهد العام في تونس قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في ظل تضييق مستمر على الحريات السياسية؟
جو سياسي مشحون
تدخل التجربة التونسية في امتحان جديد يسبر فعالية نظامها، ورسوخ مبادئها، وفرادتها التي بقيت حتى وقت قريب، التجربة الأكثر إلهامًا لعملية التحول الديمقراطي الناجح لثورات الربيع العربي.
ويعد الاستحقاق الرئاسي المقرر في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، أحدث اختبار يجري في بيئة سياسية ودستورية أعيد إنتاجها في السنوات الماضية، وغيرت وجه النظام السياسي تحت إدارة الرئيس قيس سعيّد.
وكان للإجراءات الاستثنائية التي أعلنها سعيّد في 25 يوليو/ تموز عام 2021 أثرًا بالغًا في تعميق أزمة البلاد السياسية مع إقدامه على تجميد عمل البرلمان، واستئثاره بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في تونس.
واليوم أعاد سعيّد ترشحه لولاية رئاسية ثانية في ظل جو مشحون تشكك فيه المعارضة بنزاهة الانتخابات وتنافسيتها، وسط استمرار اعتقال وسجن بعض المرشحين.
كما يأتي ذلك في ظل قرار للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بفرض شروط ترشح جديدة وصفها المعارضون بأنها "تعجيزية" لعدم قدرة بعض المرشحين على جمع "التزكيات" المطلوبة للتقدم بها أمام هيئة الانتخابات في الفترة المحددة من 29 يوليو الجاري حتى 6 أغسطس/ آب.
عراقيل أمام المنافسين لسعيّد
وإضافة ذلك، لن يستطيع المعتقلين السياسيين تأمين نماذج جمع التزكيات أو الحصول على بطاقة السوابق العدلية (بطاقة عدد 3) التي أصبحت شرطًا أساسيًا للترشح. وعلى هذا الأساس بادر الحزب الجمهوري المعارض بسحب ترشيح أمينه العام عصام الشابي، المعتقل منذ فبراير/ شباط من العام الماضي بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، بعد رفض هيئة الانتخابات منحه وثيقة جمع التزكيات.
والحال ينطبق أيضًا على معتقلين سياسيين آخرين لم يتمكنوا من استيفاء شروط الترشح للانتخابات الرئاسية ومنهم الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، والأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي، الذي قضت محكمة تونسية بسجنه ثمانية أشهر، فضلًا عن منعه من الترشح للرئاسة مدى الحياة.
أمّا الوزير السابق عبد اللطيف المكي، الذي يعده موالوه منافسًا جديًا في السباق الرئاسي، فلم يسلم هو الآخر، فقد صدر بحقه حكم يقضي بحظره إعلاميًا ووضعه قيد الإقامة الجبرية، ما حد من قدرته على التواصل لجمع التزكيات، حتى باتت الساحة التونسية مستعصية على أي مرشح قادر على المنافسة أمام قيس سعيّد.
واستدعت هذه الأجواء انتقادات المنظمات الدولية المعنية بالديمقراطية والحريات العامة، حيث توالت تقارير منظمة العفو الدولية التي سلطت الضوء على قمع المعارضة ولجوء السلطات إلى استخدام المرسوم 54 المثير للجدل بهدف إسكات الإعلاميين والناشطين السياسيين.
كما خفضت منظمة "فريدوم هاوس" تصنيف تونس من دولة حرة إلى حرة جزئيًا، بالاستناد إلى التغير الكبير الحاصل في تونس لجهة تراجع الحريات والمعايير الديمقراطية، كما تقول المنظمة.
المعارضة أمام "مرحلة دقيقة"
وفي هذا الإطار، يرى الكاتب والباحث السياسي التونسي صلاح الدين الجورشي أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس "لم تفقد رهانها إلى الآن"، معتبرًا في الوقت نفسه أنه "لا يمكن الحكم مسبقًا على أنها ستكون بيعة كاملة لرئيس الجمهورية الحالي قيس سعيّد".
ويقول في حديث إلى "التلفزيون العربي" من تونس، إن "هناك ما زالت إمكانية للمناورة والتحدي، ولإمكانية تغيير المعادلة السياسية في البلاد".
ويضيف أن هذا "يحتاج إلى شروط لا تتعلق بشروط السلطة، التي تملك الآن كل القرار"، مشيرًا إلى أن "اللاعب الرئيسي في تحديد التشريعات وضبط ملامح المشهد السياسي هو الرئيس سعيّد".
ورغم ذلك، يعتبر الجورشي أن "هناك هامشًا لا بد من التفكير فيه بشكل جدي من قبل المعارضة"، لافتًا إلى ضرورة مراجعة المعارضة لحساباتها والنظر في إمكانية "قلب الطاولة لصالحها إن كانت قادرة على ذلك وإن استطاعت التوافق على الحد الأدنى من الشروط".
ويشير إلى أن سعيّد يريد أن يضمن لنفسه كل أوراق الانتصار في هذه المحطة الانتخابية الهامة، لكن في المقابل، وفقًا للجورشي، فإن المعارضة مشتتة ومطلوب منها أن تتحد على الحد الأدنى.
وبالنسبة إلى شروط الترشح التي وضعتها هيئة الانتخابات في تونس والتي تصفها المعارضة بـ"التعجيزية"، يشير الجورشي إلى وجود "أمثلة عديدة" على ذلك، لكنه يلفت إلى ضرورة انتظار المعارضة ليوم السادس من أغسطس المقبل وما ستفرزه القائمة النهائية للمرشحين، لا سيما مع وجود نحو 80 مترشحًا للانتخابات الرئاسية.
ويرى أن المعارضة التونسية أمام "مرحلة دقيقة جدًا"، معتبرًا أن المقاطعة ستشكل "ضربة قوية" للمعارضة وللتحول الديمقراطي، حيث سيدعم هذا القرار، إن تم، الرئيس قيس سعيّد لأنه "يتمنى أن تنسحب جميع الأطراف السياسية من الساحة وتترك الانتخابات تمر كما يراد لها أن تقع".