أكد البيت الأبيض أنّ زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن المرتقبة إلى السعودية "قيد الإعداد"، وهي زيارة تعيد فتح باب العلاقات المتوترة بين البلدين، منذ تولي الأخير الحكم في الولايات المتحدة.
ويبدو الطريق بين واشنطن والرياض مزدحمًا وفي كلا الاتجاهين، حيث يتنقّل دبلوماسيون وأمنيون ومسؤولون كبار منذ فترة بين البلدين محمّلين بالملفات الأكثر تعقيدًا في العلاقات الأميركية السعودية.
وقد ارتفعت وتيرة هذه التحركات بعد الإعلان عن لقاء أول بين بايدن الرئيس وولي العهد السعودي محمد بن سلمان الشهر المقبل في أول جولة للرئيس الأميركي في المنطقة منذ توليه مقاليد البيت الأبيض.
إلا أنّ تلويح بايدن بلقاء محمد بن سلمان لاقى ردود فعل أميركية بين مؤيد ومعارض، فداخل الحزب الديمقراطي، يواجه الرئيس ضغوطًا لمنعه من الذهاب إلى السعودية، ومن أبرز المعارضين للزيارة عضو مجلس النواب آدم شيف وزميله جيري كونولي.
العلاقات السعودية الأميركية في سطور
شهدت العلاقات بين السعودية وأميركا محطات عدّة، بدأت دبلوماسيًا عام 1933، إلا أنّها شهدت توترًا مع حرب 1973 عندما حظرت السعودية تصدير النفط، ثمّ تحالف البلدان بشكل خاص في إخراج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان، وفي إخراج العراق من الكويت عام 1991.
وفي عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، توترت العلاقات وشهدت تراجعًا كبيرًا، ولا سيما بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران. إلا أنّها عادت قوية بعد زيارة الرئيس دونالد ترمب إلى الرياض عام 2017، حيث كانت أولى رحلات ترمب الخارجية منذ أن صار رئيسًا.
وخلال تلك الزيارة، تمّ التوقيع على أكثر من 350 مليار دولار على شكل صفقات واتفاقيات تاريخية بين البلدين، وتحالف بـ40 مليار دولار بين بلاكستون وصندوق الاستثمار السعودي لتحديث البنية التحتية الأميركية. كما وقّعت أرامكو مذكّرات تفاهم بـ50 مليار دولار مع شركات أميركية.
إلا أنّ اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 في إسطنبول وضع إدارة الرئيس ترمب في موقف صعب. ومع تنصيب الرئيس الحالي جو بايدن، قام بتجميد صادرات بلاده من الأسلحة الهجومية للسعودية في بداية 2021، وإلغاء تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية في اليمن، ووقف التواصل المباشر مع ولي العهد محمد بن سلمان.
كيف غيّر بايدن موقفه؟
من بوابة هذا التوتر بالتحديد، تتّجه الأنظار إلى زيارة الرئيس الأميركي المرتقبة إلى السعودية، فبايدن سبق أن وصف المملكة بـ"المنبوذة"، وتعهّد "تدفيعها الثمن" وفق قوله، إلا أنّ الرياض تمضي في تطوير تعاونها العسكري مع بكين وصولًا لاستقبال منشأة صينية لإنتاج الصواريخ البالستية وشراء المزيد منها ولا توفر مناسبة من دون التعبير عن التزامها بالاتفاق مع موسكو في إطار أوبك +.
في المقابل، تتابع السعودية سحب الولايات المتحدة لبطاريات صواريخ الباتريوت من أراضيها ورفض واشنطن إعادة الحوثيين إلى قوائمها السوداء للمنظمات الإرهابية. لكن يبدو أنّ الحاجة الملحّة لخفض أسعار النفط وزيادة الضغط من قبل الشارع الأميركي بسبب نسب التضخم العالية وغلاء المعيشة ومصلحتها في توفير بدائل لحلفائها عن الغاز والنفط الروسيين، كلّها عوامل دفعت بايدن إلى التأكيد على أن السعودية شريك مهم على الصعيدين الإقليمي والدولي.
"شراكة تقليدية" بين واشنطن والرياض
يذكر أنّ العلاقات الأميركية السعودية كانت تاريخيًا مبنيّة على دعامتين أساسيتين مترابطتين وهما الطاقة والأمن، إذ كانت واشنطن تضمن أمن المنطقة مقابل استمرار تدفق النفط إلى الأسواق الغربية، إلا أنّ ردّ الولايات المتحدة على الهجمات التي يشنّها الحوثيون على الأراضي السعودية والاندفاعة الأميركية للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني من دون الأخذ بعين الاعتبار مخاوف وقلق الرياض من أنشطة ومخططات إيران في المنطقة أثارا قلق السعودية.
وبقدر الحرص الذي تظهره السعودية على تنويع خياراتها الخارجية، فإنّها لا تزال مهتمّة بالشراكة التقليدية مع الولايات المتحدة، وينبع ذلك من أن خيارات التحوط الجديدة على صعيد مساعي السعودية لبناء شراكات أخرى مع قوى دولية كالصين وروسيا، أو محاولة تحسين العلاقات مع خصوم إقليميين كتركيا وإيران، لا يمكنها أن تحلّ مكان الدور الرئيس الذي تلعبه الأصول العسكرية الأميركية في المنطقة في تعزيز أمن السعودية ومنطقة الخليج.
ورغم أنّ الخطوات الأميركية الأخيرة قطعت أشواطًا مقبولة في طريق تحسين العلاقات لكنّ إدارة بايدن ستحتاج إلى إظهار أنّ عودة اهتمامها بالسعودية ليست ظرفية فرضتها الحاجة للنفط، إذ ترغب الإدارة الأميركية من السعودية مساعدتها في مواجهة أزمة ارتفاع أسعار النفط، لكن في المقابل، ستحتاج السعودية من بايدن أن يظهر التزامه بأمن المنطقة والعودة للعلاقات الجيدة التي تجمع البلدين.
صراع "المصالح والمبادئ"
ويتحدّث عضو الحزب الديمقراطي الأميركي جيمس ريتز عن شراكة مستمرة ما بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، مشيرًا إلى أنّها مهمّة في هذه المرحلة بالذات.
ويلفت ريتز في حديث إلى "العربي"، من واشنطن، ضمن برنامج "قضايا"، إلى أنّ هناك "مصالح" في السياسة الخارجية الأميركية، مميّزًا في هذا السياق بين "المخاوف" حول حقوق الإنسان، وما يعتبرها "بعض المصالح التي تتعدى هذه المخاوف".
وإذ يعتبر أنّ المخاوف مشتركة بين البلدين في ما يتعلق بالطاقة، مشيرًا إلى أنّ القضايا الأخرى ما زالت تؤثر على العلاقة الأميركية السعودية، ينفي أن تكون "المصالح تتقدم على المبادئ".
ويوضح أنّ "المصالح والمبادئ متلازمة مع بعضها"، مشدّدًا على أنّ حقوق الإنسان حاضرة في المحادثات والمفاوضات الجارية بين البلدين، إلى جانب العديد من القضايا الأخرى، على غرار الملف النووي الإيراني.