أرض قاحلة ونباتات عطشة وشح في الأمطار وكارثة بيئية، هذا حال تونس في ظل أزمة مياه تضرب مناطقها وتهدد بحيراتها وقطاعها الزراعي.
فقد أصبحت تونس التي تعرف بمواردها المائية الفقيرة في قلب كارثة متفاقمة، مع توقعات من أن يؤدي التغيّر المناخي إلى زيادة في متوسط درجة الحرارة السنوي بمقدار 1.1 درجة مئوية، ومع انخفاض كبير في الأمطار السنوية التي قد تصل إلى 15% بحلول عام 2050 في المناطق الجنوبية من البلاد.
تضاؤل سعة السدود
وواكب شح الأمطار تونس في السنوات السبع الأخيرة، لينتج عنه حالة من الجفاف دفعت المسؤولين في وزارة الزراعة إلى الإعلان عن حالة الطوارئ بعدما أصبحت سعة السدود في تونس لا تتجاوز الـ 25%.
حتى أن بعض سدود البلاد وصل إلى 10%، مع وجود 660 مليون متر مكعب من المياه في 37 سدًا في البلاد.
تآكل سبخة أريانة
في التفاصيل، تكشف صور الأقمار الصناعية التي حصل عليها برنامج "بوليغراف" من Sentinel Hub عن هذا الواقع، إذ تظهر في إحداها سبخة أريانة شبه جافة، وهي إحدى السباخ التونسية التي تقع شمال بحيرة تونس.
ويتبين من خلال مقارنة اللقطة مع أخرى تعود إلى العام 2017 كيف تبدل حال السبخة بشكل ملحوظ، إذ تظهر المياه بشكل واضح قبل 6 سنوات، ما يؤكد تآكل سبخة أريانة وانحسار مياهها منذ ذلك الوقت.
أما هذا الوضع، فيلقي بظلاله بالدرجة الأولى على القطاع الزراعي الذي يستهلك بدوره حوالي 80% من الموارد المائية، ويسهم بنحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتظهر صور أخرى حصل عليها فريق "العربي"، انخفاضًا ملحوظًا في مياه سبخة أريانة على الأراضي الزراعية الملاصقة، والغطاء النباتي في الأحياء القريبة والمحيطة بها، وهو ما يبدو واضحًا في مقارنة حال هذه الأراضي بين عام 2015 وعام 2023.
#تونس في قلب أزمة مياه وحالة جفاف غير مسبوقة.. صور الأقمار الصناعية تكشف حجم الكارثة 👇#بوليغراف pic.twitter.com/WTbfD2VuI8
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 27, 2023
التمدد العمراني بسبخة السيجومي
وتعيش سبخات عدة في تونس واقع مماثل، وهي التي تعد كنزًا مائيًا وثروة طبيعة مهمة، ومن بين هذه السبخات، سبخة السيجومي التي تقع في دائرة مدينة تونس وتعد أهم المناطق الرطبة فيها.
فتمثل هذه البحيرة خزانًا لمياه أمطار الفيضانات الموسمية، وملاذًا للكثير من أصناف الطيور المهاجرة التي تصل إلى تونس في فصل الشتاء.
لكن مساحتها تقلصت من 3500 إلى 2600 هكتار، وذلك بسبب تكديس بقايا عمليات البناء والردم وبسبب التمدد العمراني، وتوسّع الأحياء السكنية المتاخمة.
كما يبدو واضحًا انخفاض منسوب المياه في سبخة السيجومي، في صور الأقمار الصناعية بين عامي 2022 و2023، كما أن مقارنة الموقع مع عام 2015 يظهر بشكل واضح تآكل المياه وحالة الجفاف، وتأثر الأراضي الزراعية المحيطة بالسبخة.
حالة الجفاف هذه، يضاف لها عامل آخر متمثل بالتلوث المحيط بالسبخة، حيث باتت المنطقة أشبه بمصب للنفايات التي تعد خطرًا على الطيور المهاجرة إليها.
حالة الطوارئ المائية
وعليه، تعاني تونس حالة جفاف غير مسبوقة دفعت السلطات التونسية هذا العام إلى قطع مياه الشرب ليلًا في مناطق العاصمة ومدن أخرى كمحاولة لتخفيض الاستهلاك.
هذه الخطوة يرى فيها البعض إعلانًا لحالة الطوارئ التي قد تهدد بدورها بتأجيج توتر اجتماعي، في بلد يعاني شعبه من تضخم اقتصادي قديم وبات اليوم مهددًا في أمنه الغذائي مع ازدياد حاجة استيراد الحبوب، وتفكك نظم زراعية أساسية مثل اللحوم والألبان وتربية الماشية.
وبالمحصلة، تعاني البلاد من أزمة في قلب أزمة ليشكل الجفاف والملف المائي ثقل جديد على كاهل الشعب التونسي.