Skip to main content

يظل ثابتًا رغم الهزّات السياسية.. كيف تبني إسرائيل اقتصاد حرب؟

الأحد 1 أكتوبر 2023
لم تبدأ الولايات المتحدة الأميركية الدعم الجدي لإسرائيل بالسلاح وبالمال إلا مع حرب أكتوبر سنة 1973 - غيتي

بينما يهتز المشهد السياسي في إسرائيل التي شهدت 5 انتخابات في 4 سنوات وانقسامًا سياسيًا حادًا ودخول أطراف من القوى الأمنية في تحركات الاعتراض، ويلاحق القضاء رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، يحافظ الاقتصاد فيها على ثباته. 

ففي الفترة ذاتها، تبقى إسرائيل الثالثة عالميًا بعد الولايات المتحدة وبريطانيا في عدد الشركات الناشئة، وصاحبة ثالث أكبر ناتج محلي بالمنطقة بعد السعودية وتركيا، والثانية عالميًا في عدد الميليارديرات نسبة إلى عدد السكان، إلى جانب معدلات التضخم المنخفضة مقارنة بأميركا وأوروبا.

فما الذي يحصل في إسرائيل؟ 

إليكم نظرة على اقتصادها وسياستها، وعلى أسوأ أزمة اقتصادية شهدتها قبل عقود: 

تبيّن مراجعة تاريخ إسرائيل ومعاينة واقعها أن محاولة الفصل بين ما هو اقتصادي وما هو سياسي، ليس سوى ضرب من ضروب الخيال.

فقد كان أول أعمال منظمة الصهيونية العالمية في مؤتمرها الثاني بعد عام 1898، إنشاء "الصندوق الائتماني اليهودي الاستعماري"، الذي أُسس بحسب القانون الإنكليزي.

والصندوق أسّس بدوره لـ"المصرف الإنكليزي الفلسطيني"، الذي كانت أرباح نشاطه محددة الهدف وهو إنشاء أرض إسرائيل. وقد كانت له فروع في القدس ويافا وغزة وحتى بيروت. 

وعند إعلان ما سُمّي "دولة إسرائيل" عام 1948 أصبح "المصرف الإنكليزي الفلسطيني" بمثابة المصرف المركزي الإسرائيلي لفترة من الوقت، وأصدر أول عملة إسرائيلية قبل إعادة هيكلة القطاع المالي لاحقًا.

كان أول أعمال منظمة الصهيونية العالمية في مؤتمرها الثاني بعد عام 1898، إنشاء "الصندوق الائتماني اليهودي الاستعماري" - غيتي

ما هي الصهيونية؟

لكن قبل المضي قدمًا، لا بد من التذكير بمفهوم الصهيونية، وهي عقيدة قومية وليست دينية تبناها بعض اليهود في العالم، وجاء نشوؤها متأثرًا بموجة الحركات القومية وصعودها في أوروبا في الفترة نفسها، بدليل أن قادة منظمة الصهيونية العالمية كانوا صهيونيين علمانيين.

مع توالي الهجرات اليهودية لفلسطين التي بدأت نهاية القرن التاسع عشر، دخل هؤلاء في منافسة اليد العاملة الفلسطينية، وراحوا يؤسسون تعاونيات لا سيما الزراعية منها، ثم نقابات.

وقد أتت هذه التنظيمات إلى جانب حملتَي "احتلال العمل" و"العمل العبري" لتوظيف اليهود لليهود وليس العرب، على الرغم من أن العرب امتلكوا خبرة أكبر بالأرض وبالعمل في القطاع الزراعي وكانت أجورهم أقل ارتفاعًا.

ومع انهيار الدولة العثمانية وقيام الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920، بدأ تمويل منظمة الصهيونية العالمية يرتفع بهدف إعادة هيكلة مجموعة الحركات العمالية لصهرها ضمن ما يشبه الاتحاد العمالي العام للصهاينة واسمه الـHistadrut.

مع توالي الهجرات اليهودية لفلسطين التي بدأت نهاية القرن التاسع عشر، دخل هؤلاء في منافسة اليد العاملة الفلسطينية - غيتي

وكان هذا الأخير أشبه بدولة داخل الدولة هدفها تسهيل استيعاب المهاجرين اليهود الجدد، ومن بعدها تأطيرهم سياسيًا ضمن مشروع استيطان الأراضي الفلسطينية.

وقد أدار مجموعة من المؤسسات مثل تعاونيات زراعية وتجارية وأخرى معنية بالنقل، وقدم لأعضائه مجموعة كبيرة من الخدمات مثل توفير فرص العمل والتغطية الصحية والتعليم والسكن ولاحقًا تعويض نهاية الخدمة.

وبين عامَي 1920 و1939، ارتفع عدد المنضمين لـHistadrut من 4415 عضوًا إلى 100 ألف عضو يشكلون 75% من القوة العاملة اليهودية في فلسطين.

كان الـHistadrut أشبه بدولة داخل الدولة هدفها تسهيل استيعاب المهاجرين اليهود الجدد - غيتي

ومع تحلّق اليهود الصهيونيين حوله، راح الـHistadrut يوسّع نشاطه ليضم تنظيمات مسلحة ومصرفًا وما يشبه الجهاز القضائي الخاص. ونجح في تنظيم هجرة اليهود واستيطانهم للأراضي تمهيدًا للانقضاض على الفلسطينيين بالقتل والتهجير واحتلال أراضيهم حتى إعلان دولة للإسرائيليين.

هذا الاتحاد يُعد المركز الأساس الذي تشكلت من خلاله البنية السياسية لإسرائيل، حيث منطلقها إلى جانب العقيدة الصهيونية الاستعمارية الموحدة لليهود المهاجرين، البنية الاقتصادية الاجتماعية التي نظمها.

وكانت السطوة على قيادته يسارية تناسب توجهاتها طبيعة الاقتصاد والمجتمع، وبصورة محددة لحزب Mapai الذي أُسّس عام 1930 وتحوّل ليصبح حزب العمل عام 1968، وهيمن على المشهد السياسي للعقود الأربعة بعد تأسيسه؛ حيث كانت إسرائيل حتى بداية السبعينيات من القرن الماضي في ما يشبه نظام الحزب الواحد.

وقد يكون دافيد بن غوريون أكثر من يعبّر عن التداخل بين الـHistadrut وحزب العمل وجهاز الدولة، حيث كان أحد أوائل أمنائه العامين وأحد مؤسسي حزب Mapai، وأول رئيس لحكومة إسرائيل بعد نكبة عام 1948.

نجح الـHistadrut بتنظيم هجرة اليهود واستيطانهم للأراضي تمهيدًا للانقضاض على الفلسطينيين - غيتي

وفي حين أن علاقة السلطة الرسمية أصبحت تنافسية مع الـHistadrut مع إعلان ما سُمّيت "دولة إسرائيل"، إلا أن التوترات حول تقسيم الوظائف بين الجهتين بقيت منضبطة مع وساطة حزب Mapai الموجود في المركزين.

وكان جهد الحكم الإسرائيلي الأول في بسط سطوته على مختلف المؤسسات والخدمات العامة؛ بدءًا من توجيه إنذار من بن غوريون للميليشيات اليهودية بالانضمام للجيش الإسرائيلي أو حل نفسها فورًا.

أما الأمر الثاني فكان توحيد لغة اليهود الإسرائيليين المهاجرين من مختلف بقاع الأرض، وذلك ضمن الجهد لصناعة هوية موحدة بما في ذلك توحيد العدو والسلطة السياسية والعسكرية.

ولم يلغ ذلك العنصرية الضمنية بين الصهاينة أنفسهم؛ اليهود الأشكناز من أصول أوروبية وشرق أوروبية، والسفرديين من إسبانيا ومحيطها، وكذلك نظرتهم الدونية للمزاحيم أي الشرقيين من العرب اليهود واليهود الإثيوبيين.

قد يكون دافيد بن غوريون أكثر من يعبّر عن التداخل بين الـHistadrut وحزب العمل وجهاز الدولة - غيتي

بالعودة إلى الاقتصاد، كان معدل نموه سنويًا 13% بين عامَي 1950 و1955. ومن عام 1955 حتى منتصف الستينيات بقي معدل النمو مرتفع عند 10% كل سنة، وذلك بسبب استمرار الهجرة الوافدة حتى وصل عدد السكان سنة 1965 للمليونين و600 ألف نسمة.

وقد أمّن ما تقدم يدًا عاملة رخيصة نسبيًا، وخبرات عالية في بعض المجالات. كما توسعت في الآن عينه القاعدة الإنتاجية والاستهلاكية للمجتمع.

يأتي أيضًا من الأسباب التعويضات المادّية اللي كانت تدفعها ألمانيا لإسرائيل ابتداءً من العام 1952، والتحويلات من الخارج.

وكانت إسرائيل اعتمدت في تلك الفترة سياسة تقشف قاسية لندرة الموارد المتاحة واستثمرت أغلب الأموال في البنى التحتية الأساسية.

بسبب استمرار الهجرة الوافدة حتى وصل عدد السكان سنة 1965 للمليونين و600 ألف نسمة - غيتي

إسرائيل والمرحلة الانتقالية

أما المرحلة الانتقالية التي بدأت تحمل معها بذور التبدلات الكبرى على الصعيد الاقتصادي والسياسي وحتى الديمغرافي فكانت بين حرب الأيام الستة 1967 وعام 1977.

ففي منتصف الستينيات نشأت طبقة وسطى وصناعيون من الطبقات العليا ماليًا راحوا يميّزون أنفسهم عن مصالح العمال والزراعيين وأعضاء النقابات. 

فكانت هذه الفئة إحدى روافد قاعدة حزب الليكود الذي تأسس سنة 1973، إلى جانب القاعدة الأساس من اليهود الشرقيين الذين انتقلوا باتجاه الليكود نتيجة شعورهم بالتمييز الممارس ضدهم من قبل قيادات حزب العمل وأساسهم من الأشكيناز أي الغربيين.

وفيما فاجأ انتصار إسرائيل الساحق في حرب الأيام الستة سنة 1967 كنكسة كبرى، حمل معه مفاجأة أيضًا داخل إسرائيل.

كانت البداية مع اعتراض فرنسا على شن إسرائيل للحرب واحتلالها كامل الأراضي الفلسطينية بما فيها الضفة الغربية وغزة بالإضافة لسيناء بمصر والجولان بسوريا. وبعد الحرب، أعلنت باريس، التي كانت مصدر إسرائيل الأساسي بالسلاح، حظر بيع سلاحها وتقديمه للإسرائيليين.

شكّل انتصار إسرائيل الساحق في حرب الأيام الستة سنة 1967 مفاجأة وصُنّف كنكسة كبرى - غيتي

وقد كان ذلك الشرارة لتأخذ إسرائيل قرارًا بتوسيع نطاق إنتاجها العسكري للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.

وبين عامَي 1967 و1980 قطعت إسرائيل أشواطًا كبيرة في تطوير أسلحة متنوعة من إنتاجها: من الأسلحة الخفيفة إلى الدبابات والصواريخ وأنظمة الصواريخ الدفاعية والطائرات والطائرات من دون طيار والأسلحة البحرية وغيرها.

ومع أن بعض هذه الأسلحة استخدم في حرب أكتوبر مع مصر وسوريا سنة 1973، إلا أن أغلب هذه الأسلحة المتطورة تكنولوجيًا تم تدشينها سنة 1982 باجتياح لبنان؛ وبينها دبابات "ميركافا" والنظام المضاد للصواريخ "باراك".

في بداية الأمر، لاقى الاستثمار الكبير في القطاع العسكري اعتراضات نظرًا للعبء الاقتصادي الهائل الذي حمّله للاقتصاد الإسرائيلي، لكنه أحدث بعد بضع سنوات ما يشبه ثورة صناعية.

أغلب هذه الأسلحة المتطورة تكنولوجيًا تم تدشينها سنة 1982 باجتياح لبنان - غيتي

خفضت هذه السياسة مع الوقت العجز التجاري تجاه الخارج بما أن المال الذي كان يخرج لشراء الأسلحة بات يُوجه نحو الداخل. 

ولاحقًا، حسّن الاحتياطيات من العملات الأجنبية بما أن إسرائيل صارت مصدرة مهمة للسلاح، ووفّر الإمكانية للاستثمار في السلاح والأبحاث والتطوير، وخلق فرص عمل بصورة واسعة داخليًا.

وقد زادت إمكانية ما تقدم مع بداية تدفق الاستثمارات الخارجية على إسرائيل، خصوصًا من يهود الخارج.

إلى ذلك، سرّعت هذه العوامل عملية التحوّل الاقتصادي الاجتماعي نحو الصناعة، ما أثر على القاعدة الانتخابية لحزب العمل، الذي خسر عام 1977 أول انتخابات منذ بداية الثلاثينيات لصالح حزب الليكود.

هذا التحول السياسي الكبير في إسرائيل من نظام أشبه بنظام الحزب الواحد إلى نظام أقرب لنظام الحزبين، يُعد الانتصار الإسرائيلي في حرب 1967 أحد عوامله أيضًا. 

بين عامَي 1967 و1980 قطعت إسرائيل أشواطًا كبيرة بتطوير أسلحة متنوعة من إنتاجها - غيتي

ماذا عن الدور الأميركي؟

على عكس بعض الدعايات السياسية، لم تبدأ الولايات المتحدة الأميركية الدعم الجدي لإسرائيل بالسلاح وبالمال إلا مع حرب أكتوبر سنة 1973، والتي شنتها كل من مصر وسوريا لاستعادة أراضيهما التي احتُلت سنة 1967.

وقد كانت مجمل المساعدات الأميركية العسكرية وغير العسكرية لإسرائيل بين عامَي 1949 و1972 مليارين و695 مليون دولار.

أما في العامين 1973-1974، فقد بلغت المساعدات الأميركية 3 مليارات و139 مليون دولار.

وبدءًا من العام 1979، أصبح معدل الدعم السنوي الأميركي لإسرائيل حوالي 3 مليارات دولار؛ تستخدم بصورة أساسية لتطوير الآلة العسكرية الإسرائيلية. 

وفي المجمل، من عام 1948 حتى اليوم بلغ إجمالي حجم المساعدات الأميركية لإسرائيل 155 مليار دولار.

بدءًا من العام 1979، أصبح معدل الدعم السنوي الأميركي لإسرائيل حوالي 3 مليار دولار - غيتي

الأزمة الاقتصادية الأكبر

لكن في المقابل، وبدءًا من حرب أكتوبر 1973، تضافرت مجموعة عوامل أدت إلى أن تواجه إسرائيل أكبر أزمة مالية في تاريخها. 

والبداية كانت من قرار الدول العربية المصدرة للنفط تخفيض الإنتاج بصورة حادة، ورفع أسعار النفط المصدَّر، وحظر بيع النفط للدول التي ساعدت إسرائيل في حرب أكتوبر وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وهولندا والدنمارك والبرتغال ودول أخرى.

وقد وصل حجم التضخم مع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية والزيادة في الإنفاق العسكري الإسرائيلي والتخبط بالانتقال من اقتصاد زراعي اشتراكي إلى اقتصاد صناعي رأسمالي ليبرالي.. إلى 40%، فيما انخفض النمو السنوي من معدل 10% لـ1% بسنة واحدة.

ومع وصول الليكود إلى السلطة عام 1977، وعدت حكومته بـ"لبرلة" الاقتصاد باستثناء قرار تحرير سعر الصرف.

ومع نهاية عام 1979 وصل معدل التضخم إلى 170%، وارتفعت البطالة وانخفضت القدرة الشرائية بصورة قياسية.

تضافرت مجموعة عوامل أدت إلى أن تواجه إسرائيل أكبر أزمة مالية في تاريخها - غيتي

وعام 1983 وقع انهيار في القطاع المصرفي، قبل أن تصل الأزمة المالية بين العامين 1984-1985 إلى ذروتها مع وصول التضخم إلى 466%.

بعد انتخابات تموز 1984، تم تأليف حكومة وحدة وطنية تجمع حزبَي العمل والليكود، وبعد أشهر أقرّت الحكومة "خطة الاستقرار الاقتصادي الطارئة"، التي تنص على تخفيضات في نفقات الموازنة العامة، ورفع الفوائد، والحد من قدرة المصرف المركزي على إقراض الدولة بصورة كبيرة، وتصغير حجم القطاع العام، وتخفيض حاد لسياسة الدعم.

وقد سمح القرار السياسي بتأليف حكومة وحدة وطنية في إنتاج قوة سياسية كبيرة تمنع الـHistadrut من المناورة مع السلطة السياسية وابتزاز طرف وحيد بالحكم. 

وتمكنت الحكومة في غضون 9 أشهر من خفض التضخم من 470% إلى 25%. كما حصلت إسرائيل في تلك الفترة على مساعدة أميركية للتعامل مع الأزمة تبلغ قيمتها مليارا ونصف المليار دولار.

يبقى الثابت في إسرائيل تكييف تطور الاقتصاد ومؤسسات الدولة مع حاجات العسكر المتغيرة مع تقدم الزمن - غيتي

الاستثمار في الاتصالات والتكنولوجيا

وبنتيجة القرارات التي اتُخذت في فترة خطة الاستقرار الاقتصادي بات تركيز الاستثمارات في قطاعي الاتصالات والتكنولوجيا.

وفيما كان هذا الأمر عملًا استباقيًا لموجة تكنولوجية قادمة، يبقى الأهم أن اختيار الاتصالات والتكنولوجيا كنقطتي تركّز الاستثمارات والأبحاث منطلقه الأساسي علاقة هذين القطاعين بالقطاع العسكري والأمني الإسرائيلي.

والتداخل بين القطاع العسكري والمدني يطال أيضًا حركة قطاعات أخرى أبرزها قطاع الماس المصقول. 

ويتعلق التداخل في هذا الشأن بمصادر استيراد الماس الخام، لا سيما من دول إفريقية تشهد نزاعات، مقابل الدعم بسلاح إسرائيلي. وبعد وصول الماس تعمل الشركات الإسرائيلية على صقله وإعادة تصديره. يُضاف إلى ذلك الدعم المادي من جانب شركات الماس الإسرائيلي للجيش الإسرائيلي. 

بات تركيز الاستثمارات في قطاعي الاتصالات والتكنولوجيا بعد الأزمة الاقتصادية - غيتي

إلى ذلك، شهدت إسرائيل مع انهيار الاتحاد السوفيتي أكبر موجة هجرة وافدة بتاريخها في الفترة بين العامين 1990 و2000. 

وقد كان أكثر من نصف القادمين الجدد يملكون أكثر من 13 سنة تعليمية، وثلثا عددهم كان من مهن إما علمية، أو أكاديمية، أو تقنية، و10% منهم كانوا من المهندسين. 

فتمت الاستفادة من هذه الهجرة لرفد قطاعات التكنولوجيا المتطورة والاتصالات ومراكز الأبحاث والتطوير بعدد كبير من اليد العاملة، التي كانت شحيحة للغاية حتى ذلك الوقت.

ومع التبدلات بطبيعة الاقتصاد والمجتمع وضعف الـHistadrut  التدريجي، انتهى حزب العمل الذي كان أحدد مؤسسي الصهيونية الإسرائيلية في فلسطين، فكان آخر رئيس حكومة من جانبه ايهود باراك سنة 1999، واليوم عدد نوابه في الكنيست 4 من أصل 120 نائب.

هكذا ومع ضمور تأثير كل من حزب العمل والـHistadrut  اكتمل تبدل صورة إسرائيل بشكل كامل، من وقت احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1948 والعقود اللي تلت الاحتلال إلى اليوم: 

من دولة الـKibbutz  أو التعاونيات الزراعية، والعسكر المكوّن من مزارعين، ونظام اقتصادي مغلق محكوم من الحزب الصهيوني العلماني الواحد، إلى نظام ما بعد صناعي يركز على صناعات الـhigh tech والاتصالات والبرمجيات المتطورة باقتصاد حر محكوم بتعدد أحزاب. 

أما الثابت في كل هذه التحوّلات فهو مركزية القوى العسكرية، لا بل تكييف تطور الاقتصاد ومؤسسات الدولة مع حاجات العسكر المتغيرة مع تقدم الزمن.


ما هي الخلاصات التي تُستفاد مما تقدم في فهم الاحتلال وأدوات مواجهته بصورة أكبر، وما هي الأزمات المحتملة التي قد تُصيب إسرائيل، لا سيما وسط الانقسام الحاد بين معسكرين يمينيين أحدهما ديني متطرف تحالف مع نتنياهو ووصل إلى الحكم ويطالب بتحصين أوضاعه ومن ضمنها التعديلات القضائية، وفريق يميني علماني يرفض توسع سطوة تلك القوى على الحكم وتهديدها لنمط حياتهم؟ الإجابات وأكثر في الحلقة المرفقة من "الرأس والمال" مع الزميل جاد غصن، الذي يعرض عبر منصّات "العربي" الرقمية.
المصادر:
العربي
شارك القصة