الخميس 21 نوفمبر / November 2024

حركة طالبان.. من كهوف أفغانستان إلى قصور الحكم مرتين

المسار الأفغاني
حركة طالبان.. من كهوف أفغانستان إلى قصور الحكم مرتين
الجمعة 20 أغسطس 2021

شارك القصة

مقاتلون من حركة طالبان في شوارع كابل، عاصمة أفعانستان، بعد سقوطها عام 1996 (غيتي)
مقاتلون من حركة طالبان في شوارع كابل، عاصمة أفعانستان، بعد سقوطها عام 1996 (غيتي)

توقّعت الاستخبارات الأميركية أن تسقط كابُل في أيدي طالبان بعد 6 أشهر من رحيل آخر جندي أميركي في أفغانستان. إلا أن الحركة، التي التجأت إلى الجبال والقرى لمدة 20 عامًا، لم تحتج سوى 10 أيام فقط لتُسيطر على القصر الرئاسي في كابل، قبل أن تسحب أميركا آخر جنودها. 

قبل 20 عامًا، بدأت واشنطن أطول حرب خاضتها في التاريخ، بوعود القضاء على طالبان.

وما بين صعود أول ثم اندحار، ورحلة من الكهوف إلى القصر الرئاسي، محطات عدة في رحلة الحركة التي عادت لتصدر المشهد اليوم في أفغانستان. 

خروج السوفييت

عام 1989، وبعد فشل حملتهم العسكرية التي استمرّت 10 سنوات، خرج السوفيات من أفغانستان على يد فصائل "المجاهدين الأفغان والعرب"، الذين حظوا بدعم واسع من أميركا والأنظمة الغربية والعربية على حد سواء، ضمن محطات الحرب الباردة ضد "الشيوعية".

كان الجيش الأحمر السوفياتي قد دخل إلى أفغانستان عام 1979، ليبدأ بعدها تجمّع "المجاهدين" الأفغان الذين تلقوا دعمًا من المخابرات الأميركية ضمن "عملية الإعصار" التي هدفت إلى مواجهة "المد الشيوعي".

وفي عام 1983 وصف الرئيس الأميركي رونالد ريغان قادة "المجاهدين" بـ"المقاتلين من أجل الحرية" وذلك أثناء لقائهم في البيت الأبيض. وبعدها بثلاثة أعوام، زوّدت الولايات المتحدة المجاهدين بصواريخ "ستينغر" المضادّة للمروحيات التي سمحت بتحويل وجهة الصراع، والتفوق على الهيمنة الجوية للسوفيات.

ريغان يلتقي قادة طالبان
ريغان يلتقي قادة طالبان (غيتي- ارشفية)

بدعم غربي، رفع العالم الإسلامي "شعار الجهاد لطرد الشيوعيين من بلاد المسلمين". جُمعت التبرعات، وهتفت المنابر باسم "المجاهدين" على امتداد العالم العربي، حتى كان الخروج السوفييتي.

بعدها تشرذم زعماء الحرب الأفغان، وتمزّقت البلاد تحت حكمهم. واستمرّت حالة التشرذم لنحو 7 سنوات عانت البلاد خلالها ويلات الحرب الأهلية.

وفي هذا المناخ، كانت بداية نشأة طالبان.

الخلايا الأولى 

نمت الخلايا الأولى في مخيمات اللجوء الأفغانية على الحدود مع باكستان، وفي المدارس الدينية في بيشاور الباكستانية وقندهار الأفغانية، وأشهرها مدرسة دار العلوم الحقانية في إقليم خيبر بوختنخوا الباكستاني التي كان يُديرها الملا سامي الحقّ، أو "أبو طالبان" كما كان يُلقّب.

في يوليو/ تموز 1994، اجتمع عدد من طلاب المدارس الدينية في مدينة قندهار جنوبي أفغانستان. نظموا أنفسهم في جماعات بهدف بسط السيطرة ونزع سلاح أمراء الحرب. حاربوا الفصائل التي انخرطوا فيها سابقًا، وانقلب السحر على الساحر.

واستطاعت حركة طلبة المدارس الدينية، التي باتت تُعرف باسم "طالبان" حيث اشتُقّ اسمها من صفتها، الاستيلاء على مديرية أرغستان. وبعدها بشهرين بايع الطلاب الملا محمد عمر، وهو أحد تلامذة الملا سامي الحقّ، ليُصبح الزعيم الأول للحركة.

في الشهور التالية، وسّعت الحركة نشاطاتها، واستولت على أكبر مخازن السلاح والذخيرة في أفغانستان؛ لكن نجم الحركة بزغ في الإعلام الدولي لأول مرة، بعد نجاحها في إنقاذ قافلة إغاثة أرسلتها الحكومة الباكستانية إلى أفغانستان واعترضتها مجموعة جيلاني بقيادة منصور آغا؛ واستطاعت الحركة إنقاذ القافلة وإعدام قائد جماعة جيلاني مع بعض رفاقه.

وسرعان ما وسعت الحركة نفوذها في غربي أفغانستان، فضمّت إلى مناطق سيطرتها مقاطعة هرات المتاخمة لإيران، كما سيطرت على مساحات شاسعة في جنوب غربي البلاد، لتمضي بخطى ثابتة تجاه القصر الرئاسي.

مقاتلون سوفيات يحتفلون لمغادرتهم أفغانستان
مقاتلون سوفيات يحتفلون لمغادرتهم أفغانستان (غيتي- ارشيفية)

السقوط الأول لكابُل

في سبتمبر/ أيلول 1996، كان السقوط الأول لكابُل أمام مقاتلي طالبان بعد انسحاب القوات الحكومية. أعدمت الحركة الرئيس السابق محمد نجيب الله الذي كان مدعومًا من السوفييت خلال فترة الغزو، وأُعلنَ الملا محمد عمر "أميرًا للمؤمنين".

بحلول عام 1998، كانت طالبان قد سيطرت على نحو 90% من أفغانستان، وحازت على اعتراف 3 دول أولها باكستان التي يتّهمها البعض بالوقوف وراء نشأة الحركة وتسليحها، ثم السعودية والإمارات اللتان اعترفتا بحكومة طالبان عام 1997.

في ذلك الوقت، رفعت الحركة شعار "إيقاف الاقتتال الداخلي بعد طرد السوفييت". ومع الوصول إلى كابُل، فرضت نظامًا اجتماعيًا قاسيًا مبنيًا على "تفسيراتها المتشددة للشريعة". ومن مظاهره: حظر التلفزيون والموسيقى والسينما ومنع ذهاب الفتيات إلى المدارس بعد سن العاشرة. لتنهال بعد ذلك التقارير التي توثّق انتهاك طالبان لحقوق الإنسان في أفغانستان.

في مارس/ آذار 2001، دمّرت حركة طالبان تمثالين أثريين لبوذا. وكان التمثالان الأكبر من نوعهما في العالم. وأثارت تلك الخطوة الغضب الدولي ضد طالبان، لكنه لم يكن سوى قطرة من وابل سيُمطر سماء أفغانستان بآلاف الصواريخ بعد بضعة شهور.

دمر عناصر طالبان تماثيل بوذا القديمة في باميان الأفغانية
دمر عناصر طالبان تماثيل بوذا القديمة في باميان الأفغانية (غيتي- ارشيفية)

11 سبتمبر وانكفاء طالبان 

في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وقعت المأساة التي راح ضحيتها نحو 3 آلاف قتيل. وأعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن الهجمات التي استهدفت برجي التجارة العالمية في نيويورك، فيما عُرف لاحقًا باسم "أحداث 11 سبتمبر".

وبعد أن خرج مطرودًا من السودان عام 1996 إثر إعلانه "الحرب ضد أميركا وحلفائها"، وجد تنظيم "القاعدة" موطئ قدم جديد في أفغانستان بترحيب ورعاية من طالبان، التي رفضت تسليم زعيم التنظيم أسامه بن لادن لواشنطن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

سحبت السعودية والإمارات اعترافهما بحكومة طالبان، وبقيت باكستان الدولة الوحيدة التي تعترف بها.

في أكتوبر/ تشرين الأول 2001، شنّ تحالف عسكري بقيادة أميركا حربًا على أفغانستان، وسقطت كابُل في يد الغزاة وتحالف قوات الشمال المؤلف من أمراء الحرب السابقين المعارضين لطالبان.

انهار نظام طالبان واختفى مقاتلوه لأشهر بين القرى والجبال الأفغانية، لكن الحركة لم تمت.

محاربة الغزو الأميركي

استعادت الحركة نفوذها شيئا فشيئا بمساعدة من المؤسسة الأمنية الباكستانية. وبينما كانت تكسب ملايين الدولارات من "تجارة الأفيون والمخدرات"، عادت الحركة لحشد مقاتليها، لكن تحت شعار مختلف هذه المرة: "محاربة الغزو الأميركي".

في مارس/ آذار 2002، أسقط مقاتلون من طالبان مروحيتين أميركيتين. كانت هذه العملية بمثابة دعوة مفتوحة لحشد أنصار الحركة التي واصلت استهداف القوات الأجنبية والحكومية،

وفي سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، وقعت محاولة اغتيال للرئيس المؤقت والمُعين حامد كرزاي، واتُهمت حركة طالبان بتدبير تلك المحاولة.

في العام التالي، أسقطت الحركة مروحية أميركية وقُتل 4 جنود كانوا على متنها. وبعد أشهر صرح قائد القوات الدولية لحفظ السلام الجنرال أندرو ليسلي بأن "حركة طالبان باتت تُسيطر على ربع مساحة أفغانستان".

في أكتوبر/ تشرين الأول 2004، انتُخب حامد كرازي رئيسًا لأفغانستان بعد حصوله على 55% من الأصوات، بعد أن نجا من محاولة اغتيال ثانية، اتُهمت حركة طالبان مجددًا بالوقوف خلفها.

في الأعوام التالية، شنّت الحركة هجمات عديدة تصاعدت حدتها خلال الفترة بين عامي 2005 و2006. واختطفت الحركة 23 كوريًا جنوبيًا أغلبهم من النساء. كما ازدادت عمليات الحركة ضد القوات الأجنبية، التي أعلنت مقتل نحو 3 آلاف من جنودها منذ احتلال أفغانستان وحتى عام 2009.

الناتو يُنهي عملياته القتالية

في ذلك الوقت، أنهى الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن ولايته الثانية، بينما ترك أميركا وحلفاءها في مستنقع التيه في أفغانستان، ليأتي خليفته باراك أوباما ويُعلن أن هذه ستكون "الجولة الأخيرة في أفغانستان. سيتحمّل الأفغان المسؤولية الكاملة عن أمنهم، وستنتهي مهمتنا القتالية".

في عام 2014، توصّلت واشنطن وطالبان بوساطة قطرية إلى صفقة أُفرج بموجبها عن جندي أميركي كان أسيرًا لدى الحركة لمدة خمس سنوات، مقابل إطلاق سراح خمسة من قادة طالبان كانوا مُعتقلين في سجن غوانتانامو في كوبا.

وبحلول نهاية العام، أنهى حلف شمال الأطلسي مهامه القتالية في أفغانستان. وأقرّ بدلًا عنها عملية لتدريب ودعم الجيش الأفغاني بـ13 ألف عسكري، بينهم 10 آلاف جندي أميركي.

ووصفت حركة طالبان القرار بـ"هزيمة الناتو" بعد 13 عامًا على اجتياح البلاد.

وفاة الملا محمد عمر

في يناير/ كانون الثاني 2015، رفض البيت الأبيض تصنيف طالبان تنظيمًا "إرهابيًا". وبعدها بأشهر، استضافت باكستان أولى المباحثات المباشرة بين كابُل والحركة، لكن الحوار الذي كان مدعومًا من واشنطن وبكين سرعان ما توقّف، قبل أن تُعلن طالبان في يوليو/ تموز 2015، وفاة زعيمها الأول الملا محمد عمر.

الملا محمد عمر
الملا محمد عمر (غيتي-ارشيفية)

وأفادت الحركة أن الملا عمر تُوفي قبل نحو عامين، وأنها أخفت الخبر. وانتخب مجلس الشورى فيها بالإجماع الملا أختر منصور زعيمًا جديدًا للحركة، والذي قُتل في العام التالي، في غارة أميركية، وعُين الملا هبة الله أخوند زاده زعيمًا ثالثًا للحركة.

مفاوضات الدوحة

مع منتصف عام 2018، بدأ الأميركيون وطالبان مفاوضات في الدوحة، لكنها توقّفت مرات عدة إثر تعرّض القوات الأميركية لهجمات من طالبان؛ قبل أن تتوصل أميركا والحركة لمسودة اتفاق في العام التالي، تضمن انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان.

عام 2020، أي في الذكرى 19 لهجمات الحادي عشر من أيلول، أشرف وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو على بدء مفاوضات بين الحكومة الأفغانية وطالبان، في الدوحة، لتقاسم السلطة، بعدما وقعت واشنطن مع الأخيرة اتفاقًا تاريخيًا يقضي بانسحاب القوات الأجنبية مقابل ضمانات من طالبان بعد استخدام أفغانستان مركزًا لأي نشاط معادٍ لأميركا.

سقوط كابُل مجددًا

في أبريل/ نيسان 2021، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن الانسحاب من أفغانستان سيبدأ في مايو/ أيار 2021 وينتهي في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه؛ ليُنهي بذلك أطول حرب أميركية في التاريخ.

وتزامنًا مع بدء القوات الانسحاب تدريجيًا، كانت الحكومة الأفغانية تُسيطر على عواصم الأقاليم الـ34. إلا أن حركة طالبان بدأت تقدّمها في المقاطعات القروية، بينما عزّزت سيطرتها على الطرق السريعة الرئيسية.

في الشهر التالي أدركت القوات الحكومية في تلك المناطق أنها باتت محاصرة، وأن وعود الحكومة بالتعزيزات والإمدادات ذهبت هباء.

وتباعًا، سقطت المدن تحت سيطرة مقاتلي الحركة التي لم تُواجه أي مقاومة تُذكر من القوات الحكومية.

وفي أغسطس/ آب 2021، كان التاريخ يُعيد نفسه!

وصل مقاتلو طالبان إلى مداخل العاصمة الأفغانية كابُل، وحاصروها إثر الانهيار الكامل للقوات الحكومية في البلاد. وفي وقت تحدّث فيه مسؤولون حكوميون عن انتقال سلمي للسلطة، فرّ الرئيس الأفغاني من البلاد ليستقرّ في أبو ظبي، التي أعلنت استضافته لـ"اعتبارات إنسانية".

في غضون ذلك، سيطرت طالبان على العاصمة كابُل والمقرّات الحكومية فيها، وكذلك على القصر الرئاسي الذي أُعلنت من داخله "إمارة أفغانستان الإسلامية"، في الذكرى الـ102 لاستقلال أفغانستان عن الحكم البريطاني، والذي صادف يوم الخميس 19 أغسطس/ آب.

Mangomolo Video
ما بين صعود أول ثم اندحار، ورحلة من الكهوف إلى القصر الرئاسي.. كيف كانت قصة حركة طالبان في أفغانستان؟
المصادر:
العربي
Close