أعادت سلسلة التفجيرات التي ضربت مواقع عسكرية روسية في شبه جزيرة القرم الأوكرانية خلال وقت سابق من أغسطس/ آب الحالي، شبه الجزيرة المتنازع عليه إلى الواجهة من جديد، بعدما نجت سابقًا من القتال العنيف في الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقال مسؤولون أوكرانيون لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إن الانفجارات- بما في ذلك تلك التي وقعت في قاعدتين جويتين ومخزن ذخيرة- نفّذتها القوات الخاصة الأوكرانية التي تسعى إلى تعطيل خطوط الإمداد الروسية.
وضمت موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014، واحتلتها منذ ذلك الحين. ولطالما كانت شبه الجزيرة الواقعة على ضفاف البحر الأسود، والتي تبلغ مساحتها حجم ولاية ماساتشوستس، سببًا في خلافات بين القوى العظمى العالمية. ولسنوات، كانت نقطة الخلاف بين موسكو وكييف.
وبينما تبرز باعتبارها جبهة معركة جديدة في الحرب، تعتبر شبه جزيرة القرم ذات أهمية كبيرة في الحرب التي شنتها موسكو على أوكرانيا.
تفجيرات عنيفة تهز شبه جزيرة القرم و #زيلينسكي يدعو السكان إلى الابتعاد عن المواقع العسكرية الروسية #روسيا #أوكرانيا تقرير: كامل لطفي pic.twitter.com/6246dWzwjH
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 17, 2022
أين تقع شبه جزيرة القرم؟
تبرز شبه جزيرة القرم من الجزء الجنوبي من البر الرئيسي لأوكرانيا بين البحر الأسود وبحر آزوف. يفصلها عن روسيا من الشرق مضيق كيرتش، الذي يبلغ عرضه عند أضيق نقطة فيه أقل من ميلين.
عام 2018، افتتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جسرًا يربط شبه جزيرة القرم بروسيا عبر المضيق، بتكلفة بلغت 4 مليارات دولار.
وتعتبر شبه الجزيرة موطنًا لحوالي مليوني شخص. وهي وجهة صيفية شهيرة لقضاء الإجازات للروس الذين يستمتعون بالمنتجعات المطلة على الشاطئ والمنحدرات الساحلية ومصانع النبيذ المحلية. وحتى في أثناء الحرب، توافد السياح على شواطئ القرم، لكنهم اضطروا إلى البحث عن ملجأ بعد انفجارات الأسبوع الماضي.
السياح الروس يستمتعون بالبحر في شبه جزيرة القرم على مرمى حجر من المعارك#شبابيك #روسيا تقرير: راميا يحيى pic.twitter.com/5lOPrGPDE3
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 31, 2022
وتعترف معظم الدول بشبه جزيرة القرم باعتبارها منطقة حكم ذاتي داخل أوكرانيا، وترفض ضم روسيا غير القانوني للمنطقة. في المقابل، يعترف عدد قليل من حلفاء موسكو، بما في ذلك كوبا ونيكاراغوا، بسيادة روسيا على شبه الجزيرة.
وبعد غزو القوات الروسية لشبه الجزيرة عام 2014، أجرت موسكو استفتاء حول وضع شبه جزيرة القرم، وادعت أن النتائج أظهرت أن الغالبية العظمى من السكان أرادوا الانضمام إلى الاتحاد الروسي.
في ذلك الوقت، كانت أغلبية سكان شبه جزيرة القرم من أصل روسي (حوالي 60%)، مما يجعلها الجزء الوحيد من أوكرانيا الذي يغلب عليه السكان من ذوي الأصول الروسية.
كيف ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم؟
لطالما اعتبرت موسكو السيطرة الأوكرانية على شبه جزيرة القرم نتيجة خطأ وقع عام 1954، عندما نقل رئيس الوزراء السوفيتي نيكيتا خروتشوف المنطقة الإقليمية من روسيا إلى أوكرانيا التي كانت آنذاك جمهورية سوفيتية.
ولم يبدُ أنها صفقة كبيرة في ذلك الوقت، لكنها أصبحت كذلك بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
وطالبت روسيا بشبه جزيرة القرم بعد استعمارها في عهد كاترين العظيمة في أواخر القرن الثامن عشر. وعام 1783، بنى الروس مدينة سيفاستوبول، التي أصبحت أكبر مدينة في شبه الجزيرة، والميناء الرئيسي، وموطن أسطول البحر الأسود الروسي.
وبناء على هذه الوقائع، أصر بوتين على أحقية روسيا بالقرم، واعتبر أن ضمّها سيحمي الناطقين بالروسية هناك.
ووسط الاضطرابات السياسية في أوكرانيا عام 2014، عندما اندلعت مظاهرات حاشدة مؤيدة لأوروبا ومعارضة للحكومة، مما أدى إلى الإطاحة برئيس البلاد الموالي لموسكو، رأى بوتين في ذلك فرصة للاستيلاء على شبه جزيرة القرم.
وبدأ مسلحون في الاستيلاء على المباني الرئيسية في شبه جزيرة القرم، قبل أن تنتشر القوات الروسية في جميع أنحاء المنطقة والاستيلاء عليها.
وبسرعة، أعلن بوتين ضمّها في مارس/ آذار الماضي، بعد الاستفتاء المتنازع عليه الذي زعم فيه مسؤولون موالون لموسكو أن حوالي 97% من سكان القرم صوتوا لصالح الانضمام إلى روسيا. وأثارت هذه الخطوة، وهي أكبر عملية استيلاء على الأراضي في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، سنوات من التوتر بين الجارتين.
وبعد ضمّها، قال المسؤولون الأوكرانيون إنهم لن يعترفوا أبدًا بفقدان شبه جزيرة القرم. واستمرت معظم دول العالم في اعتبارها جزءًا من أوكرانيا. ومنذ ذلك الحين، أصبحت شبه الجزيرة مركز إمداد عسكري للقوات الروسية، حيث ضخّت روسيا استثمارات في شبه جزيرة القرم، وشيدت طرقًا وجسورًا وخطوط كهرباء جديدة.
كما شنّت حملة قمع على المدارس والصحف الناطقة باللغة الأوكرانية، وبدلًا من ذلك روّجت لهوية واحدة مشتركة- روسية- وفقًا لشكوى قدّمتها أوكرانيا، وأعلنت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قبولها جزئيًا.
لماذا تعتبر القرم مهمة لروسيا وأوكرانيا في الصراع الحالي؟
تعتبر الجزيرة نقطة انطلاقة إستراتيجية في الحرب على أوكرانيا. فمدينتها سيفاستوبول هي موطن لميناء رئيسي يتيح لموسكو الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط؛ وهي المقر الرئيسي لأسطول البحر الأسود الروسي.
كما ساعدت روسيا في الحفاظ على حصارها البحري في زمن الحرب الذي أوقف التجارة في الموانئ الأوكرانية.
وينظر البلدان إلى شبه الجزيرة باعتبارها رمزًا للسلطة والهوية والملكية.
في خطاب إعلان بدء الحرب على أوكرانيا، قال بوتين لمواطني أوكرانيا: "كانت روسيا ملزمة بحماية سكان شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول من النازيين"، مضيفًا أنه بعد أن قرر أهالي القرم الانضمام إلى "وطنهم التاريخي روسيا" ، لم يكن أمام موسكو خيار سوى دعم قرارهم.
وبعد تفجيرات 9 أغسطس في قاعدة جوية روسية في شبه جزيرة القرم، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: إن "القرم أوكرانية ولن نتخلى عنها أبدًا. هذه الحرب الروسية، بدأت مع شبه جزيرة القرم، ويجب أن تنتهي مع تحرير شبه جزيرة القرم".
هل يصل لهيب الحرب الأوكرانية الروسية إلى شبه جزيرة القرم؟ تقرير: أحمد بوطاف pic.twitter.com/8l75tu8p9B
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 18, 2022
من نفّذ الهجمات الأخيرة؟
الأسبوع الماضي، هزت ما بدا أنهما ضربتان أوكرانيتان كبيرتان ضد أهداف عسكرية روسية شبه جزيرة القرم، مما يشكل تحديًا لافتراضات الأمان النسبي لشبه الجزيرة من الهجوم، نظرًا لبعدها عن الخطوط الأمامية.
في 9 أغسطس، وقع ما لا يقل عن ستة انفجارات ضخمة في قاعدة ساكي الجوية في شبه جزيرة القرم، موطن فوج الطيران البحري الروسي، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة أكثر من عشرة آخرين.
وقال مسؤول أوكراني، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لصحيفة "واشنطن بوست": إن الانفجارات نفّذتها القوات الخاصة الأوكرانية التي تعمل خلف الخطوط الأمامية.
بعد أسبوع، اندلع حريق وانفجارات في مستودع للذخيرة في منطقة أخرى من شبه جزيرة القرم. وألقت وزارة الدفاع الروسية باللوم على أوكرانيا واتهمتها بممارسة "عمل تخريبي".
وقال مسؤول أوكراني رفيع تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته للصحيفة: إن القوات الخاصة مسؤولة أيضًا عن الانفجار الثاني.
والثلاثاء، أصدر زيلينسكي تحذيرًا لسكان الجزيرة، ملمحًا إلى احتمال وقوع هجمات في المستقبل.
وقال: "أنا الآن أطلب من جميع أفراد شعبنا في شبه جزيرة القرم، توخي الحذر الشديد. لا تقتربوا من الأهداف العسكرية للجيش الروسي، وكل الأماكن التي يخزنون فيها الذخيرة والمعدات، ومقرّاتهم".
ومن المرجّح أن تفتح الهجمات في شبه جزيرة القرم جبهة جديدة في الحرب الأوكرانية، من شأنها أن تمثّل تصعيدًا كبيرًا، ويمكن أن تزيد من استنزاف موارد روسيا.