الإثنين 18 نوفمبر / November 2024

سجال التعديلات القضائية في إسرائيل.. أزمة حكومة أم أزمة هوية؟

سجال التعديلات القضائية في إسرائيل.. أزمة حكومة أم أزمة هوية؟

شارك القصة

فقرة من "قضايا" تسلط الضوء على التعديلات القضائية والأزمة المحتدمة داخل إسرائيل (الصورة: غيتي)
بدت الاحتجاجات كما لو أنها احتجاج على حكومة اليمين المتشدد إلا أنها في الجوهر تعكس انقسامًا سياسيًا عميقًا في المجتمع لإعادة تعريف الهوية الإسرائيلية.

تجاوز السجال السياسي والقانوني في إسرائيل بشأن التعديلات القضائية أو ما يعرف بـ"قانون التغلب" ليشمل قطاعات واسعة في التيارات السياسية والقوى النقابية، بل غدا عامل انقسام عمودي داخل المجتمع الإسرائيلي.

وتحمل التعديلات القانونية التي اقترحتها حكومة بنيامين نتنياهو عنوانًا رئيسًا ملخصه تحرير الحكومة والكنيست من الرقابة القضائية.

وتسعى حكومة نتنياهو من وراء هذه التعديلات إلى سحب الصلاحيات من قضاة المحكمة العليا بوصفها سلطة رقابية على البرلمان والحكومة.

ما هي هذه التعديلات؟

سيعطي القانون للمشرعين الحق بإعادة سن قانون ألغته المحكمة العليا سابقًا بمجرد تحقيق الأغلبية داخل الكنيست، أيّ 61 صوتًا وبالتالي يكون بوسع النواب وبأغلبية بسيطة رفض قرارات المحكمة العليا.

يستطيع القانون في حال إقراره تجريد المحكمة العليا من سلطة إلغاء القوانين التي يسنها الكنيست. كما يحد من صلاحيات المحكمة في إيقاف القرارات الحكومية، وبهذا تتقلص صلاحية المحكمة العليا في إسقاط القوانين التي ترى أنها غير دستورية.

وسيعطل القانون حجة عدم المعقولية التي تُعتبر الأداة القانونية التي بيد المحكمة العليا لإلغاء قرارات الحكومة، وهو ما اعتمدته في إلغاء تعيين أرييه درعي وزيرا في حكومة نتنياهو.

إعفاء من المحاكمة

وستعطي التعديلات الحكومة صلاحيات أوسع على لجنة اختيار القضاة في جميع المحاكم، بما فيها المحكمة العليا عبر إعادة تشكيل تلك اللجنة المسؤولة عن اختيارهم، ما يعني تسييسًا للجنة التي كانت تضم تسعة قضاة من نقابة المحامين والحكومة والكنيست والجهاز القضائي.

كما سيعطي مشروع التعديلات القضائية لرئيس الوزراء وأعضاء الحكومة أيضًا الحق في رفض توصيات المستشار القضائي، ولعل هذه ستشكل المدخل المناسب لإعفاء بنيامين نتنياهو من الأحكام القضائية في حال إدانته بالفساد. إذ سيعفي القانون بمجرد سريانه رئيس الحكومة والوزراء والنواب من المحاكمة ما داموا على رأس عملهم.

وكان لطبيعة الائتلاف الحزبي اليميني الذي يشكل الحكومة دورا كبيرا في الدفع لإقرار الإصلاحات القضائية، كما تسمى، والسبب في ذلك يعود إلى القرارات السابقة للمحكمة العليا في إلغاء مشاريع القوانين ذات الطابع الديني.

وهذا بدوره خلق رأيًا عامًا مضادًا للقانون تصدرته القوى اليسارية والجمعيات النقابية، التي تقود المظاهرات الاحتجاجية المناهضة لإعادة صياغة النظام القضاء في إسرائيل تشاركها في ذلك وسائل الإعلام الكبرى، بما فيها تلك الصحف والقنوات العامة أو المملوكة للدولة.

لكن الموقف الأبرز ظهر في المؤسسة العسكرية التي بقيت على الحياد إلى أن بدأت تداعيات التعديلات تمس تماسك الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية خصوصًا بعد رفض آلاف الجنود والضباط الالتحاق بالخدمة العسكرية وإطلاق التحذيرات من مخاطر اندلاع حرب أهلية.

استطاعت المظاهرات تعليق مناقشة التعديلات القضائية - غيتي
استطاعت المظاهرات تعليق مناقشة التعديلات القضائية - غيتي

جذور أزمة التعديلات القضائية

لم يضع أصحاب مشروع التعديلات القضائية في إسرائيل في حسبانهم أن الشوارع والساحات في المدن الإسرائيلية ستمتلئ على مدى أشهر رفضًا لتغول الحكومة والكنيست على القضاء.

فقد تجمع نقابيون وجمعيات مدنية ونشطاء من عدة تيارات سياسية لوقف مشروع التيار اليميني المتشدد في تعديل النظام القضائي.

تاريخيًا، شكلت الاصلاحات التي أرساها القاضي أهارون باراك بين عامي 1992 و1999 بشأن إدخال المبادئ الإرشادية كحقوق الإنسان وحسن النية والمصلحة العامة ومعقولية القرار. قضايا خلافية بشأن تعيين هذه المفاهيم قانونيًا إذ ترك تفسيرها للقضاة.

وكان أهارون أحد قضاة المحكمة العليا في ذلك الوقت قبل أن يصبح رئيسًا لها. وقد قادت سلسلة الأحكام التي اعتمدت تلك المبادئ التي أرساها إلى فتح المراجعات القانونية لأعمال الحكومة وقراراتها، وذلك بموجب تقدير القضاة وما يمليه عليه ضميرهم.

ولم تكن هناك نصوص قانونية مقرة من قبل الهيئة التشريعية للتفصيل في الحالات الخلافية، فقد كانت المحكمة العليا تتدخل في إلغاء مشاريع القوانين، كتلك المشاريع القانونية ذات الطابع الديني أو التدخل في تعيين المناصب الرسمية أو حتى ملاحقة الشخصيات العامة بتهم الفساد وغيرها كما في حالة نتنياهو.

يستطيع القانون في حال إقراره تجريد المحكمة العليا من سلطة إلغاء القوانين التي يسنها الكنيست - غيتي
يستطيع القانون في حال إقراره تجريد المحكمة العليا من سلطة إلغاء القوانين التي يسنها الكنيست - غيتي

احتجاج ضد اليمين المتشدد

لهذا ومنذ تشكيل بنيامين نتنياهو لحكومته اليمينية الأخيرة قام بتعيين العديد من الشخصيات اليمينية المغمورة سياسيًا والذين دافعوا منذ فترة طويلة عن سياسات تتعارض مع العديد من أحكام المحكمة العليا وسعوا إلى تقليص سلطاتها.

لذا وضع نتنياهو على جدول أعماله إجراء إصلاحات قضائية تتماشى مع برنامج اليمين الإسرائيلي المتشدد، وهي تلتقي أيضًا بحسب خصومه مع مصالحه الشخصية بعد ملاحقته بتهم فساد طالته منذ ولايته السابقة.

بدت الاحتجاجات والمظاهرات التي امتدت لشهور عديدة مضت، كما لو أنها احتجاج على حكومة اليمين المتشدد بقيادة نتنياهو وعلى نتائج الانتخابات التي أوصلت الائتلاف اليميني إلى السلطة، ورفضًا للتغيير الذي يطال النظام القضائي إلا أنها في الجوهر تعكس انقسامًا سياسيًا عميقًا في المجتمع لإعادة تعريف الهوية الإسرائيلية.

واستطاعت المظاهرات والاحتجاجات تعليق مناقشة التعديلات وأجبرت نتنياهو على وقف القراءات اللاحقة للقانون أمام أعضاء الكنيست، وهو قرار ترى شريحة واسعة من الإسرائيليين أنه لا يعدو كونه مماطلة لكسب الوقت، فالمطلوب بالنسبة لهم هو إسقاط التعديلات من برنامج الحكومة بشكل كامل.

أطلقت تحذيرات خلال الاحتجاجات من اندلاع حرب أهلية - غيتي
أطلقت تحذيرات خلال الاحتجاجات من اندلاع حرب أهلية - غيتي

"أزمة دولة ومجتمع"

وتعليقًا على ما تعيشه إسرائيل، يرى مدير عام مركز مدى الكرمل مهند مصطفى أن الاحتجاجات قد كشفت عن انقسام حاد داخل المجتمع الإسرائيلي، و"إنه اتضح أن الأمر يتعلق بالانتقال من أزمة حكومة إلى أزمة دولة ومجتمع في آن واحد".

ويوضح في حديث إلى "العربي"، من أم الفحم داخل الخط الأخضر، بأن تلك الانقسامات ليست فقط حول مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بل كانت أشد حول مستقبل دولة إسرائيل.

ويشير إلى أنّ التعديلات القضائية عبارة عن قوانين وإجراءات أرادت أن تغيّر النظام السياسي في إسرائيل داخل أراضي عام 1948.

انقسام طبقات وشرائح اجتماعية

ويبين مدير مركز مدى الكرمل أن تلك التعديلات أدت إلى انقسام المجتمع الإسرائيلي بين طبقات وشرائح اجتماعية تريد الحفاظ على الوضع القائم داخل أراضي عام 1948، وأخرى تريد أن تشيّد إسرائيل الثانية حسب توجهاتها الإيديولوجية.

ويتوقع احتدام الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي خلال الفترة القادمة "لأن التعديلات ستغير النظام السياسي وجوهره داخل إسرائيل"، موضحًا أنّ هذا الانقسام "يعني أن إسرائيل تعيش في أزمة أنها لم تحسم ذاتها بعد".

ويعتبر أن التشريعات المقترحة ليس هدفها تحسين السلطة القضائية داخل إسرائيل بل هدفها تغيير كل النظام السياسي القائم بداية من السلطة القضائية. ويقول إنّ هناك محاولة لتغيير شكل إسرائيل من الداخل.

ويخلص إلى أن ما يجري يظهر أن "هناك صراعا بين إسرائيل الأولى التقليدية الليبرالية وبين إسرائيل الثانية الدينية اليمينية المتطرفة"، مشيرًا إلى أن هذا الصراع هو الذي قاد الاحتجاجات في الفترة الأخيرة.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
Close