لا تهدأ الجبهة في جنوب لبنان حيث تعلن وسائل إعلام إسرائيلية عن إطلاق عشرات الصواريخ والمسيرات تجاه الجبهة الشمالية. كما تنفِّذُ إسرائيل اغتيالات عبر استهدافات مباشرة في قرى حدودية، وتتوغّل في أهدافها نحو البقاع مع بقاء المسيّرات الاستطلاعية في سماء لبنان.
فقد أعرب وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب عن استعداد بيروت لمفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار.
من جهته، أكد حزب الله عبر نائب أمينه العام نعيم قاسم أنَّ إسرائيل أمام معادلتين. فإمَّا وقف الحرب الآن وبشكل فوري لتخفيف خسائرها، وإما أن تبقى في حالة الاستنزاف المفتوح. فجبهة الإسناد والمقاومة مستمرة ما استمر العدوان الإسرائيلي على غزة، مع التلويح بالالتزام بقواعد الاشتباك مع تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية.
وهذا التكتيك الذي ينتهجه حزب الله سيمنع الإسرائيليين من أخذ قرار عودة سكان الشمال من دون وقف الحرب على غزَّة، وفقًا للتصريح الرسمي للحزب.
مركز الثقل الحربي ينتقل إلى الشمال
ويجد هذا التصريح صداه بشكل مباشر وغير مباشر في المستوى العسكري الإسرائيلي، حيث قال وزير الأمن يوآف غالانت في نهاية تمرين عسكري يحاكي القتال البري في الأراضي اللبنانية، إن مركز الثقل الحربي ينتقل إلى الشمال، فالجيش يقترب من إكمال مهمته في الجنوب لكن تبقت مهمة في الشمال قائمة على تغيير الوضع الأمني وإعادة السكان إلى منازلهم، وفق التصريح الرسمي.
ويشير المزاج العسكري في إسرائيل لأرضية يتم وصفها "بالدفاعية"، مع الاستعداد الدائم لتنفيذ المهام بناء على التدريبات. ويحدث كل هذا على إيقاع اشتباك مع حزب الله بأسلحة مختلفة.
وقف الحرب على غزة "مفتاح الحل"
وفي هذا الإطار، يشير الباحث السياسي أمين قمورية إلى أن الوساطات لم تتوقف من أجل تهدئة الجبهة اللبنانية، لافتًا إلى أن الموقف الرسمي ولا سيما موقف حزب الله، لا يزال يربط أي تهدئة بوقف الحرب في غزة، "فمفتاح الحل كان ولا يزال وقف الحرب في غزة".
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من بيروت، يلفت قمورية إلى أن المعارك لا تزال على حالها في غزة ولا بوادر لأي اتفاق أو صفقة.
ويرى أن حزب الله "لا يمكنه التنازل عن السقف"، لافتًا إلى أن المناظرة الصاروخية التي جرت في 31 أغسطس/ آب الماضي "أظهرت أن الطرف اللبناني يحافظ على سقف محدد، وهو لا يريد الانجرار إلى حرب مفتوحة". كما يلفت قمورية إلى أن إسرائيل لا تريد الانجرار في حرب مفتوحة، وفق مراقبين.
لكن قمورية يوضح أن الأمور بدأت في اليومين الماضيين تأخذ مسارًا مختلفًا، حيث عاد التصعيد بشكل قوي، لافتًا إلى أن "جبهة الإسناد اللبنانية لم تعد كذلك بالنسبة للإسرائيليين الذين باتوا يعتبرونها جبهة مستقلة ومنفصلة بالكامل".
إسرائيل لا تستعد للمواجهة مع حزب الله فعليًا
من جهته، يرى الباحث في مركز مدى الكرمل الدكتور مهند مصطفى أن إسرائيل تحضّر لمواجهة شاملة مع حزب الله، لكنه يرى أن ذلك يمثل "نظرة إستراتيجية وليست آنية".
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من أم الفحم، يلفت مصطفى إلى أن "تصريحات مماثلة لتصريح غالانت الأخير نسمعها من الشهر الثالث على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أو حتى قبل ذلك"، مشيرًا إلى تصريحات أكثر حدّة صدرت عن مسؤولين أمنيين وعسكريين إسرائيليين تجاه لبنان.
كما يوضح مصطفى أن "جبهة لبنان فرضت نفسها كجبهة تحد بالنسبة لإسرائيل التي تحاول أن تفصل بين جبهة غزة والجبهة اللبنانية رغم إدراكهم الواضح أنه من أجل تحقيق تهدئة في الشمال عليها أن توقف الحرب في غزة"، معتبرًا أن إسرائيل تهدف إلى إعادة الإسرائيليين إلى الشمال.
وباعتقاد مصطفى، فإن إسرائيل "لا تستعد فعليًا إلى مواجهة شاملة مع حزب الله لأنها غير معنية في هذه المواجهة الآن وهي غير قادرة على خوضها لغياب الذريعة".
لكنه يشير إلى أصوات في تل أبيب تقول إن إسرائيل تستنزف حزب الله، رغم أن ما يجري استنزاف لإسرائيل أيضًا، ويقول: "إن اغتيال قيادات في حزب الله واستهداف بنيته التحتية وخط إمداده من الأسلحة عبر سوريا مريح لإسرائيل في هذه المرحلة".
الباحث في مركز مدى الكرمل يعتبر أيضًا أنه في حال انتهاء الحرب فإن "إسرائيل لن تنسى الجبهة اللبنانية لأنها ستبقى جبهة متحدية"، مشيرًا إلى "تغيّر الوعي الإسرائيلي بشأن هذه الجبهات" بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
المواجهة الشاملة "كارثة سياسية لبايدن"
وبشأن الدور الأميركي، يشير محلل الشؤون السياسية و الدولية في معهد كاتو الأميركي دوغ باندو إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وعلى مدى شهور أرادت الوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة، لكنه يعتبر أنّها "لم تمارس ضغوطات بالشكل الكافي على إسرائيل للوصول إلى هذا المبتغى".
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من واشنطن، يعتبر باندو أن الإدارة الأميركية تلهّت بالانتخابات الرئاسية القادمة، حيث "لا يريد الرئيس أن يظهر ضعيفًا لجهة دعمه لإسرائيل قبل التصويت".
ويرى باندو أن الولايات المتحدة لا تريد حربًا بين حزب الله وإسرائيل، معتبرًا أن الانجرار إلى مواجهة شاملة بين حزب الله وإسرائيل سيكون بمثابة "كارثة سياسية لبايدن لأنه يريد أن يمرّر قبعة الرئاسة لنائبته كمالا هاريس فيما سيُنظر للحرب في الشرق الأوسط كفشل ذريع لإدارته بما في ذلك لهاريس التي تريد أن تصبح رئيسة للبلاد"، مؤكدًا "أن منع انفلات الأمور من عقالها سيجعلهم سعداء".