في ظلّ فصل شتاء بارد ومنخفض جوي قارس يضرب المنطقة، أضيفت معاناة أخرى إلى مآسي اللاجئين السوريين في رقعة واسعة تمتدّ من مناطق نزوحهم في الداخل وفي بلدان شتاتهم في لبنان والأردن وتركيا.
تبدو هذه الصورة التي تلاحق السوريين منذ سنوات ولا تلوح في الأفق انفراجة قريبة لها، فيما تصف الأمم المتحدة هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة بـ"الكارثة الإنسانية الحقيقية".
ويأتي ذلك في ظل غياب جهود دولية وازنة لدعم عمليات الإغاثة في المخيمات وتواري القضية السورية عن سلم أولويات المجتمع الدولي.
إزاء ذلك، تُطرَح علامات استفهام عن أسباب هذه الأزمة المتكررة، وبشكل أكثر تحديدًا، عن سبب تقصير المجتمع الدولي في تمويل عمليات تقديم المساعدات للاجئين، ومن يتحمل مسؤولية معاناة مئات الآلاف من اللاجئين في مخيمات تفتقر للحد الأدنى من الخدمات الأساسية.
بين البرد و"حرّ القصف"
هكذا إذًا، حلّ على الشمال السوري فصل الشتاء العاشر في تأريخ السوريين للزمن منذ ثورتهم وبداية رحلة شتاتهم.
لم يعد اللاجئون منذ ذلك اليوم إلى مدنهم وقراهم، لكنّ العاصفة لم تعبأ، وعادت مرّة أخرى هذا العام وبقسوة أشدّ لتجد السوريين مرّة أخرى أيضًا عزّلًا متروكين لمصيرهم في مهبّ البؤس الذي يقاومونه الآن بخيمة.
كانت العاصفة تقترب وكان الجميع يعلم لكنّ كثرًا تناسوا أنّ هناك لاجئين يكافحون لأجل دفء الحياة.
في الشمال السوري ترسم المنظمات الإغاثية خريطة ممتدّة لهذه المخيمات تضمّ أزيد من مليونين ونصف المليون نازح، منها ما يصل إليه المغيثون، ومنها ما أقيم على أرض خلاء لا تصمد فيها الخيام شتاءً.
كانت أيام العاصفة كافية لتقتلع الأوتاد، ولتهوي السقوف، فالبرد يفعل في المخيمات ما كان يفعله حرّ القصف، لكنّ السوريين يصرّون أن يستجمعوا بقاياهم ويواصلوا الحياة.
ثلاث ليالٍ "قاسية"
يقول المسؤول الإداري في مخيم أطمة عدي محمد إنّه مرّت على القاطنين في المخيم ثلاث ليالٍ قاسية ومثلجة، مشيرًا إلى أنّ خيم رديئة الصنع تهبط على أهلها.
ويضيف في حديث إلى "العربي"، من أطمة شمال سوريا: "على مدى ثلاث ليالٍ لم نستطع النوم، وعملنا على إنقاذ الناس من تحت الخيم التي هبطت على رأسهم".
ويكشف الناشط السوري أنّ المخيّم يضمّ 180 عائلة تقطن في 180 خيمة، لم يبقَ فيه سوى 100 خيمة بعد هذه العاصفة الثلجية.
ويشير إلى أنّ المساعدات التي أتت قليلة لا تكفي الناس، موضحًا أنّ الناس منكوبة، وقد خرجت من تحت قصف النظام السوري والطائرات الروسية، في ثيابها وملابسها، وليس لديهم شيء من مستلزمات الحياة.
الأمم المتحدة "غائبة"
ولا يبدو الوضع مختلفًا في مخيمات لبنان، حيث تؤكد مسؤولة التواصل في منظمة "سوا للتنمية والإغاثة" لين كسيبي أنّ التدخل على الأرض إن كان من الأمم المتحدة أو من الجمعيات المحلية لا يفي بالغرض بالمقارنة مع حجم الاحتياجات الموجود والذي ازداد بفعل الأزمة الاقتصادية الموجودة في لبنان.
وتشير كسيبي في حديث إلى "العربي"، من بيروت، إلى أنّ التدخلات التي حصلت خجولة، كاشفة عن كشف قام به فريق المنظمة، وتبيّن بنتيجته أنّ أكثر من 30% من الخيم انهارت جراء العاصفة الثلجية الأخيرة.
وتحدّثت عن مخاوف كبيرة من انهيار المزيد من الخيام في الساعات والأيام المقبلة، مشيرة إلى أن المشكلة تكمن في غياب التدخل لمساعدة الأهالي في مشكلة السكن. وتقول: "للأسف، اعتادت الأمم المتحدة أن تتدخل بشكل أكبر لكنها لا تتدخل الآن، ربما لسياسات واعتبارات خاصة بها".
وتؤكد أنّ الدور الأكبر حاليًا هو للمنظمات المحلية، التي شكّلت ولو بموارد محدودة المغيثة، وقد حاولت بلورة خطة استجابة، كما أنّها تنسّق الجهود فيما بينها، لكن بالنظر إلى الموارد المُتاحة، فإنّ كلّ ذلك يبقى غير كافٍ.
حملة محلية "ضاغطة"
من جهته، يرفض مدير حملة فريق "ملهم" عاطف نعنوع التركيز فقط على وضع المخيمات في فصل الشتاء، "وكأنّ السكن في خيمة لعشر سنوات، في جو جميل وربيعي مثلًا، هو أمر طبيعي ومقبول".
ويشير نعنوع في حديث إلى "العربي"، من غازي عنتاب، إلى أنّ "العذاب" الذي يواجهه اللاجئون لا يكمن فقط في انهيار الخيام، منبّهًا إلى وجود سياسة تتبعها الأمم المتحدة بالتهجير منذ عام 1948 وربما قبل ذلك.
ويشدّد على أنّ ما يحصل على مستوى دور الأمم المتحدة "فاضح"، ويلفت إلى أنّ الفريق التطوعي الذي يمثّله يتبع طريقة أخرى من المساعدات، تتضمن التبرعات الفردية للاجئين، وذلك في محاولة لتغيير الواقع الذي فرضته الأمم المتحدة.
ويوضح أنّ الهدف من الحملة كان جمع 400 ألف دولار، ثمن 100 بيت، أقلّه في مرحلة أولى، كاشفًا أنه خلال أربعة أيام، استطاعت الحملة جمع مليوني دولار، ما يعني أنّ 500 خيمة ستتبدل لتصبح عبارة عن منازل. ويتمنى أن يكون ذلك بمثابة ضغط على المنظمات الدولية، التي لا تزال عالقة في سياسات القرن الماضي.