في المناظرة الأولى للدورة الانتخابية الرئاسية الأميركية في يونيو/ حزيران الماضي، عندما كان جو بايدن لا يزال مرشّح الحزب الديمقراطي، اتبع المشرفون على المناظرة نهج عدم التدخل تمامًا في التحقّق من الأكاذيب والأخبار المضللة وأنصاف الحقائق التي أصدرها دونالد ترمب في الغالب.
لكنّ في أول مناظرة رئاسية بين الرئيس السابق دونالد ترمب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس التي نالت ترشيح حزبها بعد انسحاب بايدن، تغيّر النهج وقام منسّقو المناظرة بتصحيح تصريحات ترمب في أكثر من مرة.
فالمرشّح الجمهوري أدلى بالعديد من الادعاءات الكاذبة والمعلومات المغلوطة والتصريحات المتطرّفة في مناظرته المشحونة مع هاريس.
وكشفت مجلة "نيوزويك" أنّه بعد التحقيق في مدى صحة ادعاءات دونالد ترمب، تبيّن أنّ 6 من أصل 8، كانت "كاذبة"، وواحدة "كاذبة في الغالب"، وواحدة "صحيحة لكنّها تحتاج إلى سياق".
في المقابل، تمّ التحقّق من 11 قضية ذكرتها هاريس، واتّضح أنّ 2 منها كانت "كاذبة"، وأنّ 2 صحيحتان، وواحدة "صحيحة جزئيًا"، و4 "تحتاج إلى سياق"، وواحدة "صحيحة لكنّها تحتاج إلى سياق".
أكاذيب حول المهاجرين
وربما كان أكثر التصريحات الصادمة، تركيز ترمب على ادعاء كاذب انتشر على نطاق واسع بأنّ مهاجرين من هايتي في سبرينغفيلد في ولاية أوهايو، يأكلون الحيوانات الأليفة لسكان المنطقة، أو الحيوانات البرية التي يصطادونها من المتنزهات.
وقال ترمب خلال المناظرة :"إنهم يأكلون الكلاب! الأشخاص الذين جاءوا إلى البلاد. إنهم يأكلون القطط! إنهم يأكلون حيوانات أليفة يربيها الناس الذين يعيشون هناك".
لكنّ مدير المناظرة الآخر ديفيد موير تحقّق من صحة المعلومات التي أدلى بها ترمب، وقال إنّ شبكة "إيه بي سي نيوز" اتصلت بمدير مدينة سبرينغفيلد الذي "أخبرنا أنه ليست لديهم تقارير موثوقة أو مزاعم محددة عن تعرض حيوانات أليفة للأذى أو الإصابة أو الإساءة من قبل أفراد من مجتمع المهاجرين".
واعترض ترمب على تصويب موير، مؤكدًا أنّه "رأى أشخاصًا على شاشة التلفزيون" يُدلون بهذا الادعاء، قبل أن يُشير إلى أنّ النفي كان "أمرًا جيدًا من مدير المدينة".
كما كرّر ترمب أكاذيب حول تدفّق ملايين المهاجرين إلى الولايات المتحدة من سجون ومؤسسات أمراض عقلية أجنبية. وقال: "إنهم يسيطرون على المدن ويستولون على المباني ويدخلون بعنف".
لكنّ صحيفة "الغارديان" البريطانية، أكدت أنّه على الرغم من أن بعض المدن الأميركية شهدت تدفقًا للمهاجرين، إلا أنّ معظمهم وصلوا بشكل قانوني، بتصاريح عمل أو تصريح بالبقاء بينما يتمّ النظر في قضاياهم في المحاكم.
كما أوضحت أنّه لم يكن هناك أعمال عنف واسعة النطاق في هذه المدن، وأنّ المهاجرين أقلّ عرضة لارتكاب جرائم من المولودين في الولايات المتحدة، وفقًا لدراسات متعددة ومكثفة، بما في ذلك من معهد "كاتو" المحافظ.
هاريس "تكره إسرائيل"
وخلال مناقشة الحرب على غزة، اتهم ترمب هاريس بأنّها "تكره" إسرائيل.
وأضاف: "إذا أصبحت هاريس رئيسة، أعتقد أنّ إسرائيل لن تكون موجودة خلال عامين من الآن، ستختفي إسرائيل"، دون أن يُقدّم أي دليل على هذا الادعاء.
وردّت هاريس بنفسها على ادعاء ترمب، قائلة: "هذا ليس صحيحًا على الإطلاق، لطالما دعمت إسرائيل طوال حياتي ومسيرتي المهنية".
معدلات الجريمة في الولايات المتحدة
وادعى ترمب أنّ معدلات الجريمة مرتفعة في الولايات المتحدة، لكنّ بيانات من مكتب التحقيقات الفيدرالي وجدت أنّ جرائم العنف انخفضت بنسبة 6% في عام 2023، و15% في الربع الأول من عام 2024.
واستشهد موير بهذه المعلومات ليوجّه كلامه إلى ترمب قائلًا: "كما تعلم أيها الرئيس السابق، أن مكتب التحقيقات الفدرالي يقول إنّ إجمالي الجرائم العنيفة في انخفاض فعلي في هذا البلد"، ما دفع ترمب إلى الادعاء بأنّ إحصاءات المكتب "بيانات خادعة".
تكرار كذبة الإجهاض
وكرّر ترمب إحدى أكاذيبه المعتادة، والتي تُفيد بأنّ الديمقراطيين متطرفون للغاية فيما يتعلق بحقوق الإجهاض لدرجة أنّهم يُؤيدون قتل أطفال حديثي الولادة.
وزعم "زورًا" أنّ حاكمًا سابقًا لولاية فرجينيا الغربية كان مؤيدًا لتقنين "إعدام" الأطفال بعد ولادتهم، كما زعم "كذبًا" أنّ المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس تيم والز قال "إن الإعدام بعد الولادة أمر مقبول".
وردّت مديرة المناظرة ومقدمة أحد البرامج في شبكة "إيه بي سي نيوز"، مشيرة إلى أنّه "لا توجد ولاية في هذا البلد تشرّع قتل طفل بعد ولادته".
كما أنّ "الغارديان" تحقّقت من تصريحات ترمب، وكشفت أنّ أقلّ من 1% من حالات الإجهاض يتم إجراؤها بعد مرور 21 أسبوعًا من الحمل؛ وأنّه عندما تحدث عمليات الإجهاض هذه، فإنها تتمّ غالبًا في حالات الطوارئ الطبية أو حالات التشوّهات الجنينية.
كما أنّ هاريس قد أعلنت تأييدها إعادة العمل بحكم تاريخي للمحكمة العليا صدر عام 1973 اعترف بحقّ المرأة الدستوري في الإجهاض حتى الفترة من الأسبوع 24 إلى 28 من الحمل. ولم تؤيد هاريس ولا والز التخلّص من حديثي الولادة.
معلومات مضلّلة عن انتخابات 2020
وكرّر ترمب المعلومات المضلّلة حول نتيجة الدعاوى القضائية التي تطعن في نتائج انتخابات 2020.
وادعى ترمب "زورًا" أنّ هناك "أدلة كثيرة" على أنّه لم يخسر بشكل شرعي أمام الرئيس جو بايدن في تلك الانتخابات.
لكن موير ردّ على ترمب قائلًا: "للتوضيح، لا بد أن نشير هنا إلى أنّ هناك 60 قضية أمام العديد من القضاة، وكثير منهم من الجمهوريين، نظروا فيها وقالوا إنّه لم يكن هناك احتيال واسع النطاق" في الانتخابات.
كما ذكرت "الغارديان" أنّ القضاة في بعض القضايا، وجدوا أنّ الأدلة المقدّمة كانت تخمينية، أو لم تُثبت تزوير الانتخابات.
الاقتصاد "الأفضل"؟
تفاخر ترمب بأنّ الولايات المتحدة شهدت "أفضل" اقتصاد لها في ظلّ إدارته. وكانت عبارة "الاقتصاد الأفضل" التي أطلقها ترمب بمثابة لعنة لمدققّي الحقائق منذ أن تولّى منصبه.
ووجدت "الغارديان" أنّه وفقًا لمقاييس عديدة، بما في ذلك الناتج المحلي الإجمالي، والبطالة، والعجز التجاري، كان الاقتصاد في عهده بعيدًا عن ذروته.
وفقد الاقتصاد 2.7 مليون وظيفة، وارتفع معدل البطالة بمقدار 1.7 نقطة مئوية إلى 6.4%. وكان العجز التجاري الأميركي في السلع والخدمات عام 2020، هو الأعلى منذ عام 2008، وارتفع عدد الأشخاص الذين يفتقرون إلى التأمين الصحي بمقدار 3 ملايين. كما ارتفعت أسعار المنازل بنسبة 27.5%.