نفى نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني، نعيم قاسم، في مقابلة خاصة مع "العربي"، اليوم الخميس، وجود أي تقدم أو وساطة على صعيد الأزمة بين لبنان والسعودية وحلفائها الخليجيين، قائلًا إن الرياض رفضت الوساطات.
وفيما يتعلق باجتماعات الحكومة اللبنانية المعلقة، عبر قاسم عن أمله بالتوصل إلى حل بين الأطراف المعنية أيًا كان سقفه، كي تستأنف الحكومة عملها مجددًا.
واتهم المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار بـ"استهداف حلفاء حزب الله سياسيًا"، نافيًا أن يكون الحزب هو الفريق الوحيد الذي يعترض على أداء المحقق.
وبينما دعا إلى محاسبة حزب القوات اللبنانية متهمًا إياه بارتكاب مجزرة في الطيونة، شدد على أن التحالف القائم بين الحزب والتيار الوطني الحر "صامد"، مؤكدًا أنه سينعكس على الانتخابات النيابية المقبلة، رغم ما اعتبره "أمورًا ثانوية" تعكر صفو العلاقات.
وعلى صعيد الانتخابات النيابية، استبعد قاسم المضي قدمًا بالموعد المبكر الذي أوصى به مجلس النواب، مرجحًا تأجيله إلى منتصف مايو/ أيار.
واعتبر قاسم أن الموقف بشأن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل "غامض"، فيما دعا إلى مواجهة الانهيار الاقتصادي بالتحول إلى الاقتصادي المنتج بدلًا من الريعي، و"الاتجاه شرقًا لمنع تأثير أميركا".
الأزمة مع السعودية
ولفت نائب الأمين العام لحزب الله، في الحديث الذي أجراه معه مراسل "العربي" في بيروت محمد شبارو، إلى أن الأزمة مع السعودية تراوح مكانها، نافيًا وجود وساطة في هذا الصدد. وقال: "نحن لم نفتعل مشكلة مع المملكة ولا نرغب في أن يكون هناك مشاكل مع أي دولة عربية أو خليجية، ولكن المبادرة بالمشكلة كانت من السعودية".
وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، سحبت الرياض سفيرها في بيروت وطلبت من السفير اللبناني لديها المغادرة. ولاحقًا، اتخذت كل من الإمارات والبحرين والكويت واليمن إجراءات مشابهة، على خلفية تصريحات أدلى بها وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حول حرب اليمن، قبل تسميته وزيرًا في الحكومة اللبنانية.
وأضاف قاسم: "لا يفترض أن تتدخل السعودية في الشؤون اللبنانية، والشعب اللبناني يختار من يمثله وكيف يدير واقعه"، مشيرًا إلى أنه "لم يصلنا أي كلام أو موقف يبين المخرج لما افتعلته السعودية والأمر في الانتظار".
وفيما رأى أن موقف الحكومة اللبنانية "متعاون مع الخليج والسعودية"، شدد على أن "المبادرة بالقطيعة والموقف القاسي أخذته السعودية"، معتبرًا أن المشكلة في "عقلية السعودية التي ترغب في أن تتحكم بالمسار السياسي في لبنان". وذكر بأن السفير السعودي الأسبق لدى بيروت عبد العزيز خوجة أعلن سابقًا أنهم دفعوا 72 مليار دولار منذ العام 1990 في لبنان ولم يحصلوا على شيء، ويريدون بدلًا سياسيًا لهذا الإنفاق المالي الذي قدموه لجماعتهم بشكل عام بحسب قاسم.
وشدد على أن حزبه ليست لديه مشكلة بعلاقة لبنان مع السعودية، شرط أن تكون نظرتها إلى لبنان بوصفه البلد السيد الحر المستقل.
"لا وساطة"
وعن الوساطات المحتملة، ولا سيما الجهود القطرية، نفى نائب الأمين العام لحزب الله، علمه بوجود وساطات "بل طلب مباشر أن يستقيل قرداحي من دون أي وعد أو بدل، وبالتالي المسألة كانت غامضة وحتى الآن لا يوجد أي شيء جدي، وفهمت أن السعودية لم تقبل بوساطة للأخذ والرد".
واعتبر أن صاحب القرار "الأول والأخير" في استقالة الوزير جورج قرداحي هو قرداحي نفسه، معبرًا عن تأييد الحزب لأي قرار يتخذه، منوهًا إلى أن "المسألة كلها مرتبطة بما يقدره الوزير والتطورات التي قد تحصل".
الحكومة وتحقيقات المرفأ
وفي موضوع التحقيقات بجريمة انفجار مرفأ بيروت، أوضح قاسم أن نقاشًا حصل داخل الحكومة تبناه حزب الله وحركة أمل، ويقول بأن على الحكومة أن تقوم بدور معين لمعالجة "تسلط المحقق العدلي القاضي طارق بيطار على التحقيق"، مشيرًا إلى أنه "لا يمكنه أن يمنع مجلس النواب من أخذ صلاحيات في محاكمة الرؤساء والوزراء".
وفي 2 يوليو/ تموز الماضي، ادعى القاضي بيطار على عدد من المسؤولين، بينهم نائبان من حركة "أمل" هما علي حسن خليل وغازي زعيتر (وزيران سابقان)، ورئيس الحكومة السابق حسان دياب.
إلا أن تلك الدعاوى القضائية رفضتها بعض القوى السياسية اللبنانية، وعلى رأسها "حزب الله" الذي اعتبر أمينه العام حسن نصر الله، أن تحقيقات بيطار "مسيسة" و"لا توصل إلى الحقيقة".
ومنذ 13 أكتوبر الماضي، تأجّل انعقاد جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة حينها، إلى أجل غير مسمى، إثر إصرار الوزراء المحسوبين على "حزب الله" وحركة "أمل" على أن يبحث المجلس ملف تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، تمهيدًا لتنحية بيطار.
وعبر قاسم عن اعتقاده بأنه يمكن أن تنعقد الحكومة قريبًا إذا توصلت الأطراف المعنية إلى حل مهما كان سقفه. وقال إنه إذا قامت الحكومة بالمساعدة في هذا الملف "ووصلنا إلى نتيجة ستنعقد الحكومة سريعًا"، مضيفًا أن "هذا أمر يجري النقاش فيه في الكواليس بمساعدة الرؤساء الثلاثة وعندما يتوصلون لحل معين يمكن أن يكون مقبولًا للجميع تنعقد الحكومة بغض النظر عن سقف هذا الحل".
وجدد نائب أمين عام حزب الله استنكار حزبه لما وصفها بـ"استنسابية" المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار، مشككًا بوجود استهداف للحزب في هذه القضية من خلال استهداف حلفائه.
وقال قاسم إن حلفاء حزب الله "استهدفوا بشكل مباشر من بيطار وكان استهدافًا سياسيًا واضحًا"، مشيراً إلى أن الأخير اختار أشخاصًا وحيد آخرين تحت "مبررات واهية حتى على المستوى الإعلامي".
وطالب المحقق بيطار بأن يوضح للناس حقيقة الواقعة وما إذا كانت "قضية جرمية" أو "إهمالًا إداريًا" متهمًا إياه بـ"افتعال قضية جرمية كبيرة" من مسألة ليس واضحة المعالم.
كما انتقد قاسم المحقق العدلي بعدم قبوله بأن محاكمة الوزراء والرؤساء من صلاحيات المجلس النيابي، رغم أنه جعل محاكمة القضاة عند القضاء".
ونفى قاسم أن يكون حزب الله الطرف الوحيد المعترض على اتجاه التحقيق، مشددًا على أن "كل الأطراف الذين هم معنا اعترضوا وقدموا ردودًا قانونية لكن لعل صوتنا كان الأعلى نظرًا لماكنتنا وتأثيرنا وكلمتنا مسموعة".
وأكد المسؤول الكبير في حزب الله أن حزبه "لم يتحرك لأنه مستهدف بل لأن الحلفاء مستهدفون ولأنه لا يوجد عدالة ونحن مناصرون للحق كان من كان".
ورغم ذلك، لفت قاسم إلى أنه لا معطيات دقيقة إن كان هناك استهداف لحزب الله، وإن كان هناك "تسريبات من المحقق تارة بالاستهداف وتارة بالعدم" بحسب وصفه، مجددًا تأكيده عدم تحمل الحزب مسؤولية انفجار مرفأ بيروت وعدم صلته به "بأي شكل من الأشكال".
الانتخابات
اعتبر قاسم أن موعد الانتخابات النيابية الذي أوصى به مجلس النواب مؤخرًا والمقرر في 27 مارس/ آذار المقبل هو "مبدئي"، مرجحًا أن يتم تأجيله إلى منتصف مايو/ أيار.
وأوصى مجلس النواب اللبناني، في 19 أكتوبر الماضي، تقريب موعد الانتخابات البرلمانية إلى 27 مارس/ آذار المقبل.
وقال قاسم: "ليس مجلس النواب من يحدد الموعد الدقيق لانتخابات، بل مجلس الوزراء من خلال مرسوم يصدر عن وزير الداخلية ويحمل توقيعي رئيس الحكومة والجمهورية". وتابع: "لذلك موعد 27 مارس مبدئي ولكن إن لم يتم التوقيع من المعنيين يعني أن هذا الموعد ليس قائمًا".
ولفت إلى أن رئيس الجمهورية ميشال عون يريد الانتخابات بين 8 و15 مايو/ أيار، مضيفًا: "أرجح أن يكون هذا هو الموعد لأنه لن يوقع قبل هذا التاريخ".
وأكد أن حزبه متحمس للانتخابات مثل أطراف لبنانية كثيرة، مستدركًا بأن "الأطراف الأخرى يتوقعون أن تقلب هذه الانتخابات الميمنة على الميسرة وتغير الواقع الحالي وتحصل قوى 14 آذار سابقًا ومجموعات المجتمع المدني المرتبطة بالسفارات على أكثرية تجعلهم يتحكمون بانتخابات الرئاسة المقبلة واختيار الحكومة ليغيروا في سياسات البلد. هذا هو طموحهم".
وشدد على أن حزب الله "لن يخوض الانتخابات ضد أحد بل من أجل تمثيل الناس. إذا اختارنا الناس نعبر عن هذا الاختيار والآخرون يفكرون بمعارك انتخابية ضدنا".
وأوضح أنهم سيخوضون الانتخابات "مع الحلفاء مع الذين يؤمنون بلبنان السيد المستقل ووجوب مقاومة إسرائيل وعدم التبعية للغرب ويريدون الإصلاح في الداخل".
العلاقات مع "الوطني الحر" و"القوات"
وحول علاقات حزب الله مع التيار الوطني الحر، اعتبر قاسم أن التفاهم الذي أبرمه الطرفان في العام 2006 "صامد" رغم بعض الخلافات التي اعتبرها "أمورًا ثانوية".
وشدد قاسم على أن حزبه والتيار لا زالا ملتزمين بالتفاهم، وكشف أن "هناك تأكيدًا بأننا سنخوض الانتخابات النيابية بشكل مشترك في كل المناطق اللبنانية وسيكون هناك دعم مشترك".
لكنه أشار إلى أنه "تصدر تصريحات من قبل بعض قيادات التيار نحن نعتبرها أمورًا ثانوية وجزئية" بشأن قضايا خلافية، معتبرًا أنه "طبيعي أن يكون هناك مساحة للاختلاف"، رافضًا "الخوض في هذا الأمر".
وخلص إلى أن التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر "صامد وقائم ومستمر، وسينعكس على الانتخابات المقبلة".
وفي ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، اعتبر نائب الأمين العام لحزب الله أنه لا زال من المبكر البحث في هذا الملف، مؤكدًا أنه ليس لدى حزبه اسم مرشح محدد لرئاسة الجمهورية.
وقال: ليس مطروحًا أن نناقش انتخابات الرئاسة في هذا المرحلة، وليس لدينا اسم محدد نوافق على كونه رئيسًا. المسألة لا زلت مبكرة". وأوضح أنه بعد "الانتخابات النيابية تبدأ النقاشات حول من يصلح للرئاسة من جهة الجدارة والظروف السياسية والاتجاه الذي يحمله".
وبينما اتهم قاسم حزب القوات اللبنانية بارتكاب "مجزرة" في الطيونة، رأى أن القوات "كانوا سيأخذون البلد إلى فتنة ومقدمات لحرب أهلية"، مستدركًا بأن "صمود حزب الله وحركة أمل والصبر هو الذي فوت الفتنة".
ودعا بشكل قاطع إلى "محاسبة القوات" عما جرى، مشددًا على أنه "لا إمكانية لعلاقة معهم وتبيض صفحة، يجب أن يكون هناك محاكمة وتحميل مسؤوليات".
ترسيم الحدود
من جهة ثانية، وصف قاسم الموقف بشأن المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية بـ"الغامض"، مشيرًا إلى أن الحزب نأى بنفسه عن إبداء رأيه بالحدود المقترحة بانتظار ما ستسفر عنه المفاوضات لتبني موقف حينها.
وقال قاسم: "إلى الآن الموقف غامض من ترسيم الحدود، وهي مثلها مثل القضايا الخاضعة للاتفاقات، فكل النسب المئوية للإشارة إلى تقدم أو لا، لا تقدم ولا تؤخر"، مضيفًا أن "كل النقاشات الآن لا زالت على السطح ولم تتضح الصورة.
وفيما توقع أن يكون هذا الملف نشطًا في المرحلة المقبلة، عبر عن أمله في أن يصل إلى نتائج تكون من مصلحة لبنان.
لكنه استدرك بالقول: "لاحظنا أن أركان الدولة والمعنيين بالمفاوضات اختلفوا، نحن لا نستطيع أن نحسم في الوقت الذي لم تحسم الدولة أي حدود تعتمدها. لا نريد أن ندخل بلعبة تحديد اختصاصيين من قبلنا لترسيم الحدود التي يمكن أن تكون مخالفة لاختصاصي الدولة".
وتابع : "وجدنا الأفضل أن ننتظر جهة القرار ماذا تقول وعندها نتبنى هذا الموقف كي لا يحصل مزايدة"، مؤكدًا تأييد الحزب لما تقرره الدولة.
أسباب الأزمة الاقتصادية
ولخص قاسم رؤية حزب الله لأسباب الأزمة الاقتصادية، بأربعة أمور، أبرزها النمط الاقتصادي الاستهلاكي الذي أدير لبنان وفقًا له منذ التسعينيات، و"الحصار الأميركي" والفساد وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي اتهمه بتحمل "المسؤولية الكبرى".
فحسب قاسم، تعود "الحالة الاقتصادية الخطرة" التي يعيشها لبنان إلى، "أولًا: طريقة إدارة لبنان من التسعينيات بجعل لبنان استهلاكيًا وعدم توجيهه نحو الإنتاج".
وثانيًا: "الحصار الأميركي الذي ضيق على المصارف وعلى البضائع والتعامل مع الشرق وإنتاج بعض الأمور كالكهرباء، وفقًا للمسؤول الكبير في الحزب. واعتبر قاسم أن السبب الثالث يتمثل بالفساد "على كل المستويات"، فيما رأى أن السبب الرابع هو "حاكم مصرف لبنان الذي يتحمل المسؤولية الكبرى" معتبرًا أنه "يجب أن يحاسب".
وفيما عبر عن اعتقاد بأن "هذه العوامل مجتمعة أدت إلى الانهيار، دعا إلى مواجهته "بالعمل المضاد، أي اقتصاد منتج غير ريعي ومنع تأثير أميركا والاتجاه شرقًا وكل أنواع المحاسبات لاستعادة الأموال المنهوبة".
وفي موقف الحزب من تشكيل الحكومة الجديدة وسياساتها الاقتصادية، شدد قاسم على أن "وجود الحكومة هو إنجاز بعد تعطيل لمدة سنة بلا حكومة، وبالتأكيد عندما بدأ رئيس الحكومة فتح باب بعض المعالجات الأقرب للمسكنات".
وبينما رأى أن أن المجتمع الدولي "لا يريد أن تنتج هذه الحكومة أمورًا فعالة وإيجابية الا بعد الانتخابات النيابية، شدد على أن الحكومة تستطيع "بالحد الأدنى أن تعالج بعض الأمور الطارئة وتضع اللبنة الأولى لمعالجات مستقبلية". وعبر عن أمله بأن تحل المشكلة التي تمنع الحكومة من الانعقاد.
موقف الحزب من صندوق النقد
وأكد قاسم أن حزب الله "لم يقل لا نريد صندوق النقد"، لافتًا إلى أن "لبنان لا يستطيع أن ينطلق من دون التعاون مع الصندوق، لكن قلنا يجب أن ندرس كل مشروع وكل الشروط التي يطرحها من أجل أن نرى مصلحة لبنان".
وختم بالقول: "هناك بعض الاقتراحات سنقبلها حكمًا، وبعضها سنناقشها ونرفضها، ولا أعلم ماذا ستقول الحكومة. نحن نقبل النقاش وعندها نأخذ ما نراه مناسبًا ونرفض ما لا نراه مناسبًا".
وسجلت الليرة اللبنانية هبوطًا إضافيًا، مع بلوغ سعر صرف الدولار الواحد نحو 25 ألف ليرة في السوق الموازية، بينما سعره الرسمي يبلغ 1515 ليرة.