أرسلت القوات الأميركية التابعة للتحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة" دورية عسكرية إلى منطقة الشداد بريف محافظة الحسكة الجنوبي شمال شرقي سوريا.
ويأتي الإجراء بعد استهداف قاعدة أميركية في المنطقة نفسها بصاروخين مجهولي المصدر. وهذا الهجوم هو الثالث خلال أسبوع، في سياق هجمات استهدفت قواعد تضمّ قوات أميركية شمال شرقي سوريا.
وبالتزامن مع هجوم الشدّاد، أكد المبعوث الأميركي الخاص إلى شمال وشرق سوريا نيكولاس غرينجر أن بلاده لم توافق على الضربات التركية في سوريا، فواشنطن تنظر إلى العملية العسكرية التركية بوصفها عاملًا مزعزعًا للاستقرار في سوريا، ومهدّدًا للعمل المشترك ضد تنظيم "الدولة"، علاوة على الخطر الذي تشكّله على الجنود الأميركيين.
في المقابل، ردّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على التصريحات الأميركية بالقول إن أنقرة مصمّمة على تأمين حدودها بشكل كامل.
وما يلفت للنظر في الموقف الأميركي على عملية "المخلب- السيف" التركية هو التأرجح، حيث صمتت واشنطن تقريبًا على الهجوم التركي في بدايته، قبل أن تصعّد اللهجة تجاهه بمجرد الحديث عن عملية برية؛ ثم ما لبثت أن رفضت العملية برمتّها.
فهل سيكون للعملية التركية تداعيات على العلاقة بين أنقرة وواشنطن، أم ستكون سحابة صيف تنقشع على غرار عمليات تركية سابقة نفّذت شمال وشمال شرقي سوريا على مرأى ومسمع الأميركيين؟
العملية البرية واقعة لا محالة؟
وأوضح عمر أوزكيز يلجيك، الخبير في السياسة الخارجية والأمن، أن الموقف التركي واضح جدًا وهو أن أنقرة تريد أن تتخلص من التهديد الإرهابي في الجنوب من حدودها، ويبدو أن العملية الحالية هي بداية لعملية برية.
وقال يلجيك، في حديث إلى "العربي"، من أنقرة، إن المشكلة تكمن في أن القوات الأميركية تتواجد في أماكن قريبة من أماكن تواجد "وحدات حماية الشعب"، مضيفًا أن القصف التركي ليس قريبًا إلى درجة تؤدي إلى أضرار بالقوات الأميركية.
وأشار إلى أن أنقرة تأسف لأن حليفتها في "الناتو"، أي واشنطن، متقارب إلى هذه الدرجة مع كيان يستهدف الأراضي التركية، ويقتل السوريين والأتراك، وآخرها تفجير اسطنبول.
وأكد أن القضية "ليست قضية كردية، بل قضية ضد الإرهاب، على غرار تنظيم الدولة. ومثلما لا يمثّل التنظيم المسلمين، لا تمُل وحدات الحماية الأكراد، بدليل أن هناك بعض المجموعات الكردية في سوريا تربطها علاقات جيدة بأنقرة، التي ترتبط بعلاقات جيدة مع إقليم كردستان العراق".
واعتبر أن علاقة الأميركيين بالإرهابيين الأكراد عرّض العلاقات بين أنقرة وواشنطن للخطر، منذ سنوات، وبالتالي، فان المشكلة الأساسية بين البلدين هي الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب".
واعتبر أن حلّ هذه الخلافات يكمن في قطع الولايات المتحدة العلاقات مع شريكها مع وحدات حماية الشعب الكردية، والعمل مع العرب المحليين وقبائل المنطقة، والأكراد السوريين من أصدقاء تركيا.
ورأى أن تركيا في وضع صعب، إذ بينما تستمرّ الحرب الروسية على أوكرانيا، والتكهّنات بشأن امكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة في سوريا، تعمل موسكو وواشنطن معًا على حماية "وحدات حماية الشعب" من القوات التركية والجيش السوري.
واعتبر أن لا الولايات المتحدة ولا روسيا قادرتان على طرد "وحدات حماية الشعب" الكردية، إذ لا تدخل القوات الأميركية مناطق القوات الروسية والعكس صحيح، ولذلك فإن أنقرة غير مقتنعة بالمبادرات الروسية أو الأميركية في هذا الإطار.
وأوضح أن تركيا لا تثق في هذا المرحلة بروسيا أو بأميركا، والعملية البرية واقعة لا محالة مهما طال أمد الانتظار.
طعن الأكراد في ظهرهم؟
بدوره، شرح بيتر همفري، الباحث في العلاقات الدولية والدبلوماسي الأميركي السابق، أن واشنطن تلوم تركيا على قرارها السيء بشنّ العملية العسكرية في سوريا، مضيفًا أن تركيا تجاهلت الدعوة الأميركية لمحاربة "تنظيم الدولة" المتزايد في سوريا، خاصة عندما شنّ التنظيم هجومًا على قاعدة العرب.
وقال همفري، في حديث إلى "العربي"، من واشنطن، إن الإدارة الأميركية لم يكن أمامها سوى خيار التعاون مع الأكراد السوريين الذين تكبدّوا الكثير من الخسائر البشرية في محاربة التنظيم، مضيفًا أنه من الصعب على واشنطن أن تطعن حليفها في الظهر الآن، وتقول له إنها تريد قطع العلاقات معهم لأن تركيا تريد ذلك.
تعرفوا إلى قوات #سوريا الديمقراطية "قسد" pic.twitter.com/jlDIm20ZGO
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) November 25, 2022
وأكد أن القوات التركية لم تستهدف نظيرتها الأميركية في سوريا على الإطلاق، والأضرار الجانبية التي حصلت لن تؤدي إلى شقاق في الناتو، لكن المآخذ الأميركية هي في أن تركيا تلقي اللوم على وحدات حماية الشعب في تفجير اسطنبول، وهو اتهام غير مقنع بالنسبة لواشنطن.
وأضاف أن وحدات حماية الشعب تخشى من أن تغادر جميع القوات الأجنبية سوريا، وهو ما يفتح المجال أمام توجّه جيش النظام السوري إلى شمال شرقي سوريا وقتل كل الأكراد الموجودين هناك، ولذلك، فانهم يرغبون بالإبقاء على قوتهم العسكرية لمواجهة جيش النظام السوري، وضد "تنظيم الدولة".
حضن النظام السوري
من جهته، أشار مروان قبلان، مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث، إلى أن الوضع في شمال شرق سوريا شديد التعقيد والتوتر، مضيفًا أن تركيا تعتبر وجود الجماعات الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني على حدودها مع سوريا، واحد من التهديدات التي يواجه أمنها القومي، وهو ما برز بعد تفجير اسطنبول.
وقال قبلان، في حديث إلى "العربي"، من لوسيل، إن القوى الثلاثة الرئيسية في هذا الصراع، تركيا، والولايات المتحدة، وروسيا، في وضع ليس سهلًا على الإطلاق، مضيفًا أن العملية العسكرية في سوريا تلقى معارضة أميركية وروسية قوية جدًا، كما أن تركيا لا تستطيع الدخول في صدام سياسي مع الولايات المتحدة سيكون له تداعيات على اقتصادها الهشّ.
مخاوف أميركية ودولية متصاعدة في ظل إصرار #تركيا على الاستمرار في عملية "المخلب السيف" ضد المقاتلين الأكراد في #سوريا و #العراق تقرير: فرح قداده pic.twitter.com/Ujp6ESVFbz
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) November 26, 2022
وأوضح أنه بالنسبة لروسيا، فإن أنقرة تريد الحفاظ على التوازن في العلاقة مع موسكو، خاصّة بعد الاتفاق بين البلدين على أن أن تتحوّل تركيا إلى ما يُشبه مركزًا لتوزيع الغاز الروسي إلى دول العالم.
وأكد أن الفيتو الأميركي والروسي سيبقى عقبة أمام أي هجوم بري تركي، مؤكدًا ألا تواصل سياسي أو دبلوماسي بين أنقرة وواشنطن حول سوريا، وأن التواصل القائم حاليًا هو بين الأتراك والروس، والأتراك والأميركيين فقط.
وشدّد على أن الدول الثلاث لا تريد صدامًا فيما بينها، وسيتمّ التوصّل، في نهاية المطاف، إلى نوع من الحلول الوسط، تتمّ فيه مراعاة هواجس تركيا الأمنية، مرجّحًا أن تغضّ واشنطن النظر عن استمرار العملية العسكرية الجوية التركية، على أن لا تنفّذ أي عملية برية واسعة يُمكن أن تؤدي إلى تقويض الحرب الأميركية على "تنظيم الدولة".
وأوضح أنه من ناحية أخرى، فان تركيا مهتمة ايضًا بأن لا تدفع الأكراد كثيرًا إلى حضن النظام السوري، خاصّة وأن روسيا والنظام تحاولان الاستفادة من الأمر، وهو ما دفع أنقرة إلى محاولة فتح خطوط تواصل مع النظام السوري بهدف قطع أي تواصل بين وحدات حماية الشعب والنظام السوري.