منذ مارس/ آذار الماضي، تشارك روسيا وأوكرانيا في عمليات تبادل الأسرى، عندما أطلقت موسكو سراح عمدة ميليتوبول إيفان فيدوروف مقابل تسعة جنود روس. وحدثت أكبر عملية تبادل للأسرى بين البلدين في 1 أبريل/ نيسان الماضي، عندما تبادل البلدان 86 جنديًا أوكرانيًا مقابل العدد نفسه من الجنود الروس.
وأشارت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إلى أن هذا التعاون بين البلدين مثير للحيرة، بخاصّة وأن البلدين ما زالا منخرطين في صراع عنيف. فكيف يُمكن تفسير سبب حدوث عمليات تبادل الأسرى هذه؟ هل هي خطوة إنسانية أم إستراتيجية عسكرية؟
خطوة إنسانية؟
تنصّ اتفاقيات جنيف لعام 1949 على بروتوكولات معاملة أسرى الحرب، بما في ذلك أنظمة تبادل الأسرى. لكن الصحيفة ترجّح أن لا يكون الالتزام بالقانون الدولي الإنساني هو الدافع وراء هذه التبادلات.
وقال خبراء قانونيون إن الهجوم الروسي على أوكرانيا يمثّل انتهاكًا كبيرًا للقانون الدولي، مضيفين أن سجل السياسة الخارجية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من الشيشان إلى سوريا، يشير إلى أن الإستراتيجية العسكرية الروسية لا تلتزم بالمعايير والقوانين الدولية التي تحمي المدنيين.
من جهتها، عرضت منظمة العفو الدولية، في تقرير حديث، تفاصيل جرائم حرب ارتكبتها روسيا في أوكرانيا، بما في ذلك انتهاكات حقوق السجناء.
واعتبرت الصحيفة أنه في ضوء العدد المتزايد من التقارير عن الفظائع الروسية في بوشا وماريوبول، تبدو اتفاقيات جنيف "وعدًا فارغًا" في الصراع الحالي.
إستراتيجية عسكرية؟
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن الحسابات الإستراتيجية غالبًا ما تلعب دورًا رئيسًا في عمليات تبادل الأسرى، حيث يجب على الطرفين المتحاربين الإقرار بأن "مزايا تجديد قواتهما تفوق تكاليف تجديد قوات خصمهما".
وإذ أشارت إلى أن الجانب الأوكراني يعاني من محدودية إمداداته من المقاتلين، مقارنةً بالجانب الروسي، وبالنظر إلى أن عدد سكان روسيا يفوق عدد سكان أوكرانيا، رأت الصحيفة أن المسؤولين في كييف يدركون أن القيمة النسبية لكل جندي أوكراني أعلى من احتمالية المخاطرة بالافراج عن جندي روسي.
في المقابل، لن يكون هذا المنطق حافزًا لروسيا للموافقة على صفقات تبادل الأسرى.
قيمة رمزية
اعتبرت "واشنطن بوست" أن لعمليات تبادل الأسرى قيمة رمزية، فالتفاوض على إطلاق سراح أسرى الحرب، يرسل إشارة قوية إلى الجماهير المحلية والدولية، مفادها أن هناك "نوايا حسنة".
وأضافت أنه بالنسبة إلى موسكو، يخدم الإعلان عن "عودة أولادنا" الدعاية الروسية حول "حماية المواطنين الروس من الخصم الأجنبي". كما تتيح عمليات تبادل الأسرى لروسيا "التشدّق بالمعايير الدولية"، وتقديم نفسها على أنها "حكومة تلتزم بالمبادئ الإنسانية".
وعندما تعلن الدول عن تبادل الأسرى، فإنها ترسل أيضًا إشارة مهمة إلى قواتها، تسعى من خلالها إلى رفع الروح المعنوية للجنود، وتعزيز استعدادها للقتال بعزم غير محدود.
وعندما أعرب عمدة ميليتوبول عن شكره لإطلاق سراحه بأمان، ردّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: "نحن لا نتخلّى عن مواطنينا".
من خلال نطاقها المحدود نسبيًا، تظهر الطبيعة الرمزية لعمليات تبادل الأسرى في الحرب الروسية الأوكرانية. وجرى تبادل عدد قليل للغاية من السجناء لمنح أي من الجانبين ميزة إستراتيجية.
وذكرت الصحيفة أنه تم الإعلان عن 12 عملية تبادل، وفي كل تبادل، أُطلق سراح حوالي 31 سجينًا فقط. ويمثّل هذا مجموعة فرعية صغيرة من العدد الإجمالي المقدّر لأسرى الحرب.
نسب التبادل مهمة
وتتمثّل أحد الأبعاد المهمة لكل صفقة تبادل في نسبة السجناء المفرج عنهم من قبل كل جانب. وقد يبدو بديهيًا أن تقبل روسيا وأوكرانيا بمبدأ التكافؤ في العدد ذاته من السجناء. لكن هذا ليس هو الحال دائمًا. ففي 1 مارس/ آذار الماضي، استُبدل ضابط روسي بخمسة جنود أوكرانيين.
وقالت "واشنطن بوست" إن هذا يشير إلى أن "الحكومة الروسية تعتبر بعض السجناء أكثر قيمة من غيرهم"، وأن عمليات التبادل تُظهر أن الدوافع الروسية وراء ذلك "أكثر من مجرد أعمال إنسانية، لكنها تشجّع الطموحات العسكرية للضباط باعتبارهم أكثر قيمة لدى موسكو".
وأضافت أنه في المقابل، وبالنظر إلى أن أسرى الحرب الأوكرانيين يتعرّضون للانتهاكات المزعومة، فإن الدوافع الأوكرانية تحمل "أبعادًا إنسانية"، مشيرة إلى أنه خلال عملية التبادل التي تمت في 30 أبريل، تمّ إطلاق سراح 14 أوكرانيًا، بينهم "ضابطة كانت حاملًا في شهرها الخامس". وبالتالي فإن أوكرانيا تعتبر أن كل عملية تبادل للأسرى قادرة على منع جرائم الحرب.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الأسباب العديدة لدعم استمرار تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، أكدت الصحيفة أنه من المهم عدم قراءة صفقات التبادل هذه على أنها "التزام بالمعايير الإنسانية"، مضيفة أنه بالنسبة لروسيا، من المرجح أن تتضمن عمليات التبادل حسابات إستراتيجية ورمزية، بدلًا من احترام حقوق أسرى الحرب الأوكرانيين.
والجمعة، أعلن المستشار النمساوي كارل نيهامر استعداد الرئيس الروسي لبحث ملف تبادل الأسرى مع أوكرانيا.
ويأتي ذلك، بعد أيام من إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، استعداد بلاده لتبادل الأسرى مع روسيا على الفور، داعيًا الحلفاء إلى الضغط على موسكو في هذا الشأن.