الخميس 24 أكتوبر / October 2024

سيناريو غزة.. هل تقصف إسرائيل مستشفيات لبنان وتدمر قطاعه الصحي؟

طوفان الأقصى
سيناريو غزة.. هل تقصف إسرائيل مستشفيات لبنان وتدمر قطاعه الصحي؟
منذ 10 ساعات

شارك القصة

أكدت إدارة مستشفى الساحل في الضاحية الجنوبية لبيروت خلوه من أي مظاهر عسكرية
أكدت إدارة مستشفى الساحل في الضاحية الجنوبية لبيروت خلوه من أي مظاهر عسكرية - رويترز

قد تصبح ليلة الحادي والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري واحدة من التواريخ المفصلية في العدوان على لبنان الذي بدأته إسرائيل في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي.

في تلك الليلة شن الجيش الإسرائيلي غارة جوية استهدفت محيط مستشفى رفيق الحريري الجامعي، أكبر مستشفيات البلاد الحكومية، والذي يقع في منطقة الجناح المكتظة بالسكان في العاصمة اللبانية بيروت، وأدى القصف إلى استشهاد 18 شخصاً بينهم 4 أطفال وإصابة نحو 60 آخرين.

تسبب القصف بحالة من الذعر والصدمة في بيروت، لكن الذعر الأكبر تأتى من حدث آخر ذي صلة بالقطاع الطبي اللبناني، ففي الليلة نفسها نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، تدوينة على موقع إكس ألمح فيها إلى احتمال استهداف مستشفى آخر، هو مستشفى الساحل الطبي الجامعي في منطقة حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت.

وقال أدرعي إن ملجأ زعيم حزب الله الراحل، حسن نصر الله، الذي اغتالته إسرائيل في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، كان يقع أسفل مستشفى الساحل، ويحتوي على مئات الملايين من الدولارات بالعملات الورقية والذهب، المخصصة لتسليح الحزب، وإن سلاح الجو الإسرائيلي يستطلع المجمع ويتابعه. 

محاوف لبنانية من تكرار سيناريو غزة

أثارت تدوينة أدرعي وقصف محيط مستشفى رفيق الحريري، المخاوف من تكرار سيناريو غزة في لبنان، حيث استهدفت إسرائيل مستشفيات قطاع غزة وقطاعها الصحي بشكل ممنهج منذ بدء عدوانها الواسع على القطاع في 7 أكتوبر من العام الماضي، وارتكبت عدة مجازر في محيط المستشفيات، ودمرت بعضها، وواصلت حصار بعضها الآخر، فهل ثمة ما يعزز مخاوف اللبنانيين هذه؟

رغم أن قطاع غزة ولبنان يتعرضان لعدوان عسكري إسرائيلي، إلا أن إسترتيجيات إسرائيل ليست واحدة في كلا العدوانين، ففيما يتعلق بقطاع غزة تبدو أهداف إسرائيل أكثر غموضاً وأوسع نطاقاً مما هي عليه بشأن لبنان، فأهدافها في القطاع لا تقتصر على هزيمة حركة حماس ونزع أسنانها، بل تدمير قطاع غزة برمته وجعل الحياة فيه مستحيلة كما تقول حركة حماس، وتهجير سكانه كما تتخوّف دول مجاورة، وفرض إدارة بلدية فيه بإشراف الجيش الإسرائيلي كما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نيامين نتنياهو مراراً، بينما تبدو أهداف إسرائيل في لبنان أكثر تواضعاً وأضيق نطاقاً.

أعلنت إسرائيل أن هدفها الرئيسي من العدوان على لبنان إعادة سكان الشمال المتاخم لجنوب لبنان، وإبعاد مسلحي حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، وتدمير بنيته العسكرية، لكنها لم تصل إلى هدف تدمير حاضنته الشعبية، ولا إلى مرحلة توسيع مدى الحرب جغرافياً لتشمل لبنان كله أو مناطق واسعة منه، كما يحدث في القطاع.

تطبيق عقيدة الضاحية في غزة لا لبنان

والمفارقة أن ما تسمى بـ"عقيدة الضاحية" التي انتهجتها إسرائيل في حربها على لبنان في يوليو/تموز عام 2006 لا تطبقها إسرائيل في عدوانها الحالي على لبنان، بل في قطاع غزة، ما يجعل من تكرار سيناريو غزة في استهداف المستشفيات والقطاع الصحي مستبعداً على الأغلب في عدوانها على لبنان.

تقوم عقيدة الضاحية على مبدأ الردع باستخدام القوة المفرطة وغير المتناسبة، والعقاب الجماعي، وعدم التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية.

-رويترز استهداف الحاضنة الشعبية لحزب الله
استهداف الحاضنة الشعبية لحزب الله

اقترنت هذه الإستراتيجية برئيس هيئة الأركان الإسرائيلية السابق، غادي آيزنكوت، الذي بلورها نظرياً عام 2008، بعد أن طبقها فعلياً خلال قيادته الحرب على لبنان عام 2006، وكان آنذاك قائدًا للمنطقة الشمالية.

وبحسب عقيدة الضاحية فإن الردع لا يتحقق إلا بالقوة المفرطة، أو الحد الأقصى للقوة وليس القوة المتناسبة، وعدم قصر الاستهداف على المنشآت العسكرية أو العناصر المسلحة للعدو بل عليه أن يشمل حاضنة العدو الشعبية، وتدمير البنية التحتية المدنية، للضغط على العدو بحاضنته نفسها، ودفعه للاستسلام أو إلحاق هزيمة قاصمة به على الأقل.

كان استهداف مستشفيات قطاع غزة الذي بدأ بقصف المستشفى الأهلي المعمداني في 17 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، جزءاً من تطبيق إستراتيجية الضاحية وأحد تجلياتها، من حيث تدمير البنية المدنية في القطاع، والضغط على السكان المدنيين لتحقيق عدد من الأهداف ومنها: 1- دفع المدنيين للثورة على حركة حماس، أو إجبارهم على الهجرة من القطاع. 2- الضغط على حماس نفسها ودفعها للاستسلام للتقليل من حجم الخسائر في صفوف المدنيين.

لكنّ فشل هذه التكتيكات، ولجوء المدنيين إلى محيط المستشفيات بعد تدمير منازلهم، أفضى بإسرائيل إلى التقدم خطوة أخرى في تطبيق "عقيدة الضاحية" بقصف المدنيين في محيط المستشفيات، ولاحقاً قصف المستشفيات نفسها رغم أنها تتمتع بالحماية في أزمنة الحروب بموجب المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة، وهو ما لم يحدث في الحالة اللبنانية. 

خلق الذرائع لاستهداف المستشفيات

قام التكتيك الإسرائيلي في تبرير قصف مستشفيات قطاع غزة على خلق الذرائع، وبناء الروايات المتشابهة لتسويغ قصفها ورفع الحماية الدولية عنها باعتبارها أهدافاً عسكرية، وتقوم على وجود أنفاق أسفل هذه المستشفيات، واستخدامها مراكز قيادية لقادة حماس تدير منها عملياتها العسكرية، وتخزّن فيها الأسلحة والصواريخ وإطلاقها. 

بعد نحو عشرة أيام من هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول قصفت إسرائيل المستشفى الأهلي المعمداني، أقدم مستشفيات القطاع، ما تسبب في استشهاد نحو 500 غزّي أغلبهم من النساء والأطفال الذين كانوا قد لجأوا إلى محيط المستشفى بحثاً عن الحماية من القصف،

وبعد أيام قليلة أعقبت مجزرة المعمداني، بدأت إسرائيل ببناء روايتها الكبرى والرئيسية التي سوّغت بها ما أصبح يعرف بالحرب على المستشفيات في قطاع غزة، وخرج الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري بالقول إن لدى إسرائيل معلومات مؤكدة بتمركز قادة عسكريين من حماس في أنفاق تحت مجمع الشفاء الطبي، أكبر مستشفيات القطاع، وفيها مراكز قيادية للحركة تقود الهجمات على إسرائيل، وتستخدم الوقود المخصص للمستشفى لأهدافها العسكرية.

ورغم نفي حركة حماس فإن إسرائيل بدأت في تنفيذ خططها بحصار المستشفى في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، ثم قصفت محيطه واقتحمته واخرجته من الخدمة.

الغارات تتواصل على قطاع غزة واستهداف مستشفيات الشمال
الغارات تتواصل على قطاع غزة واستهداف مستشفيات الشمال

عزز استهداف محيط مستشفى الحريري المخاوف في صفوف اللبنانيين من احتمال تكرار تجربة قصف المستشفيات في غزة، وقارنوه بمستشفى الشفاء، فكلاهما حكومي والأكبر في لبنان وغزة، وتعرضا للقصف بعيد الحملة البرية الإسرائيلية في المنطقيتن.

وأججت هذه المخاوف تدوينة أدرعي بخصوص مستشفى الساحل، ومزاعمه بوجود أنفاق أسفله تحتوي مئات الملايين من الدولارات التي تستخدم لتسليح حزب الله، ما يمهد لتحويله ربما إلى هدف عسكري لإسرائيل، وتكرار سيناريو غزة، لكن هدف تدوينة أدرعي قد يندرج في سياق آخر أيضاً، وهو تدمير أصول حزب الله المالية ومؤسساته المدنية، خاصة أنها جاءت بعد استهداف مؤسسة "القرض الحسن" في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، استبق قصف المؤسسة بتصريح قال فيه إن الجيش الإسرائيلي سيهاجم الممتلكات المالية والاقتصادية للحزب في لبنان.

في الحالة اللبنانية، لا يمكن اعتبار تهجير اللبنانيين من جنوب البلاد، حيث البيئة الحاضنة الأكبر لحزب الله، هدفاً إسرائيلياً رغم أن عمليات القصف طاولت تلك المنطقة، وأجبرت عشرات الآلاف من سكانها على النزوح من قراهم وبلداتهم، فالهدف الإسرائيلي المعلن هو إبعاد مسلحي حزب الله إلى وراء الليطاني، وربما إقامة شريط حدودي هناك رغم أن هذا مستبعد حالياً، بينما يعتبر تهجير سكان قطاع غزة إلى الخارج هدفاً كبيراً وإن لم يكن معلناً.

كان قصف مستشفيات غزة جزءاً من إستراتيجية التهجير هذه، أما قصف قرى وبلدات جنوبي لبنان فقد تسبب في موجات نزوح كبيرة داخل البلاد نفسها، حيث ينتظر هؤلاء انتهاء العدوان على بلادهم للعودة إلى منازلهم، بينما يعني التهجير في الحالة الغزّية تفريغ القطاع من سكانه، أو جعله غير قابل للحياة، في تطبيق فظ لعقيدة الضاحية التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي في لبنان بعد.

على أن هذا قد ينقلب رأساً على عقب في حال دخلت إسرائيل في حرب مفتوحة مع إيران، وانخرط فيها حزب الله بشكل كبير، ما قد يستدعي من إسرائيل تطبيق "عقيدة الضاحية" في لبنان كله، واعتماد سياسة التدمير الشامل والعقاب الجماعي والقوة القصوى غير المتناسبة، وهذا لا يستثني مستشفيات البلاد ولا مؤسساتها المدنية، ولا يقتصر على مكوّن داخلي دون آخر.

المصادر:
موقع التلفزيون العربي
Close