بعد تحذيرات من برنامج الأغذية العالمي من عواقب "كارثية"، ناشد وزراء خارجية مجموعة الدول السبع روسيا لفكّ الحصار عن الموانئ البحرية الأوكرانية، لاستئناف عمليات تصدير الحبوب والمنتجات الزراعية الأوكرانية الضرورية عبر البحر، في محاولة لمكافحة ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، قولها: إن "روسيا تخوض حرب حبوب مع العديد من الدول. إنها ليست أضرارًا جانبية، بل أثرت بشدة على إنتاج وتصدير الحبوب".
وأضافت بيربوك، في مؤتمر صحفي بعد اجتماعات مجموعة الدول السبع الكبرى استمرت لثلاثة أيام في المانيا، أن المجموعة تبحث "طرقًا بديلة" لنقل الحبوب من أوكرانيا، مع تصاعد خطر أزمة الجوع العالمية.
وذكرت وكالة أسوشييتد برس أن حوالي 50 مليون شخص سيواجهون الجوع في الأشهر المقبلة، إذا لم تستأنف عمليات تصدير الحبوب الأوكرانية، منها حوالي 28 مليون طن من الحبوب عالقة في الموانئ الأوكرانية التي تحاصرها القوات الروسية.
ومع استمرار الهجوم الروسي على أوكرانيا، اتجهت بعض الدول إلى الهند باعتبارها مصدرًا بديلًا للحبوب الأوكرانية، لكن نيودلهي حظرت، الجمعة، صادرات القمح إلى الخارج، بسبب مخاوفها المتعلقة بالأمن الغذائي.
وأبدت الحكومة الأوكرانية استعدادها للمشاركة في محادثات مع روسيا لإلغاء حظر إمدادات الحبوب، لكن وكالة "اسوشييتد برس" نقلت عن وزير الخارجية دميترو كوليبا، قوله: إن حكومته لم تتلق "ردود فعل إيجابية" من المسؤولين في موسكو.
حاجة ملحة ووضع كارثي
وهذا الأسبوع، أكد ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، مع المشرّعين الأميركيين ومسؤولي من الإدارة الأميركية، الحاجة الملحة لإعادة فتح الموانئ ومعالجة أزمة الغذاء العالمية.
وأفاد برنامج الأغذية العالمي بأن أوكرانيا تزرع ما يكفي من الغذاء لإطعام 400 مليون شخص سنويًا، وأن روسيا وأوكرانيا تصدّر 30% من إمدادات القمح في العالم.
وقال بيزلي لصحيفة "واشنطن بوست": "الموانئ مهمة للأمن الغذائي على مستوى العالم، وسيكون الوضع كارثيًا إذا لم يُستأنف العمل بتلك الموانئ ونقل الإمدادات الغذائية حول العالم".
وأوضح أنه في متوسط "يوم العمل" العادي في أوقات السلم، تصل حوالي 3 آلاف عربة قطار محمّلة بالحبوب إلى الموانئ الأوكرانية، حيث تُخزّن في صوامع، وتُشحن عبر البحر الأسود ومضيق البوسفور، ومن ثم إلى جميع أنحاء العالم. لكن مع حظر الصادرات، امتلأت الصوامع، مما يعني أنه لا يوجد مكان لتخزين الحبوب من موسم الحصاد المقبل، الممتد من يوليو/ تموز وأغسطس/ آب المقبلين.
وأكد بيزلي أن كل من البلدان الغنية والفقيرة ستشعر بتداعيات وقف الصادرات، وبدأ يظهر بالفعل على تقلبات أسعار السوق.
التقلبات المناخية وحرب #أوكرانيا تقفزان بأسعار القمح إلى أعلى مسوياتها تقرير: علي القيسية pic.twitter.com/ZYuowp7ypY
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 7, 2022
ودفعت الحرب أسعار القمح وزيت الطهي وسلع أخرى إلى مستويات قياسية، وتوقّعت وزارة الزراعة الأميركية انخفاض إمدادات القمح العالمية في العام المقبل.
وأضاف بيزلي أن "التكاليف التشغيلية" لبرنامج الأغذية العالمي لمساعدة العدد ذاته من الناس قد زادت بأكثر من 70 مليون دولار شهريًا بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وسيتعين على البرنامج تقليص حصص المساعدات الغذائية، مما سيحرم الكثيرين من الحصول على الغذاء.
في هذا الإطار، يتعين على البرنامج، الذي يقدم مساعدات غذائية إلى 125 مليون شخص يوميًا، تقليص حصصهم بشكل أكبر. ففي اليمن، الذي يعاني من أزمة جوع حادة لسنوات، قام البرنامج بالفعل بخفض الحصص الغذائية لـ 8 ملايين شخص إلى النصف.
وقال بيزلي: "أموالنا تنفد، والأسعار ترتفع، وبات علينا الآن أن نقرر أي من الأطفال يأكلون، والأطفال الذين لا يأكلون، والأطفال الذين يعيشون، والأطفال الذين يموتون".
وتعتمد دول في الشرق الأوسط وأفريقيا بشكل خاص على الحبوب الأوكرانية.
في ظل صعود الأسعار.. دول عربية تعول على إنتاجها المحلي من القمح لتقليل الاعتماد على الاستيراد تقرير: علي الرواشدة pic.twitter.com/zDUaqoXEwi
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 3, 2022
وذكرت إحصائيات الأمم المتحدة أن مصر تحصل على ما بين 75 و85% من إمدادات القمح من أوكرانيا وروسيا، كما يستورد لبنان أكثر من 60% من القمح من أوكرانيا. بينما تعتمد الصومال وبنين على روسيا وأوكرانيا في كل ما تستوردهما من القمح.
من جهتها، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب نقص الإمدادات وزيادة الطلب أدى إلى حدوث احتجاجات في عدة دول نامية، حيث أسفر الهجوم الروسي على أوكرانيا عن "زيادة الضغوط الحالية على الإمدادات العالمية من الحبوب واللحوم والمواد الغذائية الأخرى".
وساعد ارتفاع الأسعار في تأجيج الاضطرابات العنيفة التي أدت إلى استقالة رئيس وزراء سريلانكا في وقت سابق من هذا الأسبوع، وأثارت المزيد من الاحتجاجات السلمية في الشرق الأوسط.
وفي أجزاء من إفريقيا، نفد القمح من المطاحن، ويحاول المستهلكون استبدال المواد الغذائية التي كانت تعتبر ذات يوم "أساسية"، بمنتجات أرخص.
كما ارتفعت أسعار البقالة في الولايات المتحدة في أبريل/ نيسان بنسبة 10.8% خلال الأشهر الـ12 الماضية، وهي أكبر زيادة سنوية منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 1980.
وفي بريطانيا، بدأت المحال التجارية الكبرى تقنين بيع زيت عباد الشمس.
وفي إفريقيا، التي تعاني بعض دولها من الجفاف الذي ساهم في انخفاض المنتوج الزراعي، بالإضافة إلى موجات حر شديدة وقلة هطول الأمطار، تعطّلت المحاصيل المحلية. وكانت أسعار المواد الغذائية في القارة بالفعل عند أعلى مستوياتها في 10 سنوات قبل الهجوم.
وخلال الأيام الماضية، خرجت احتجاجات في إيران بعد الزيادات المفاجئة في أسعار المواد الغذائية مثل السكر وزيت الطهي.
وتخصص جمهورية الكونغو الديمقراطية ملايين الدولارات لدعم المخابز في عملية التحول من الاعتماد على القمح إلى الدقيق المصنوع من "الكسافا"، وهو نبات ذو جذور نشوية متوفر بسهولة في جميع أنحاء البلاد.
ويحاول الفقراء في جميع أنحاء العالم، تقليل الاعتماد على المواد الغذائية الأساسية مثل اللحوم أو يستبدلونها ببدائل أرخص.
وفي البرازيل، زادت أسعار الجزر والطماطم بأكثر من الضعف عن هذا الوقت من العام الماضي، بينما ارتفعت تكلفة البن المحمص بنسبة 70% تقريبًا.